الثلاثاء، 9 سبتمبر 2014


التوسع العمراني لمدينة الموصل في القرن العشرين للباحث عبدالله محمد خضر
عرض : د.محمد نزار الدباغ  


ان من اهم الاثار التي يتركها الانسان على هذه الارض هي اماكن سكناه فيشيد فيها ما يحتاجه من عمارة المدن ... بهذه الكلمات البليغة افتتح المُؤَلِفُ مقدمة كتابه الصادر عن مركز دراسات الموصل / جامعة الموصل لسنة 2011 وبواقع 166 صفحة من القطع المتوسط ، ومماجاء في تقديم الكتاب : ((مدينة الموصل الوارثة الباسقة بأبنيتها التراثية، ذات الطرز المعمارية المزدانة بالنقوش والافاريز والتوريق في اواوينها وسراديبها وكوشكاتها وتفاصيل بنائها، الموشح بالحلان الازرق، ومورفولوجية مدينة الموصل المتشكلة على اساس: المحلات السكنية تتخللها (العوجات) الضيقة، واسواقها القائمة على التخصص في بضائعها، وخاناتها وسكلاتها، وقيصرياتها، و(جايخاناتها) المتعددة، وحماماتها المبثوثة، وجوامعها ومساجدها وكنائسها واديرتها، يحف بها جميعاً سور المدينة العتيق ذي الابواب الاثني عشر الشهيرة (باب الطوب، باب السراي، باب سنجار وسواها). وترى مشاهد يومية متكررة حيث يكتظ بأسواقها الناس قادمين ومدبرين، يدبون فوق مفاصلها لقضاء حاجاتهم اليومية في البيع والشراء والتنقل.  تلك هي السمات العمارية لمدينة الموصل والتي اتسقت في الحفاظ عليها حتى اواخر خمسينات القرن العشرين، ولم يزل بقاياها شاخصاً ينازع في وجوده ويقاوم الحداثة والمعاصرة في الابنية الكونكريتية والطرز الغربية في البناء شكلاً وتنفيذاً.  ان اغلب المدن القديمة في العالم تسعى دوماً للحفاظ على سمات مكوناتها العمرانية ومفرداتها البنائية وخصائصها الوظيفية، عن طريق ادامتها واعادة تأهيلها والمحافظة عليها بأساليب شتى. كونها الهوية المميزة للبلد في العراقة والاصالة. فما بالنا في مدينة الموصل ذات الحضارة العريقة والارث البنائي والعماري العتيد الذي يعود الى ما قبل وصول الاسلام اليها سنة (16هـ).  وادراكاً من مركز دراسات الموصل بأهمية تأصيل الارث العماري والحفاظ على بهاء، وسمات مورفولوجيا مدينة الموصل بكل خصائصها ولبقائها حاضرة عربية تراثية بقسماتها المعروفة، فقد تنادى لعقد سلسلة من الندوات والمؤتمرات العلمية فيه للتأشير على مواضع الخطر المحدق بخطط المدينة العتيقة، ولأهمية تدارك الزحف الكونكريتي القادم وايقاف تداعي ابنيتها القديمة لتبقى محافظة على سماتها العمارية والتراثية. فعقدت لذلك ندوات علمية وهي (انقذوا اثار مدينة الموصل، ماذا نعمل من اجل الموصل، العمارة الموصلية، مورفولوجيا مدينة الموصل، قلعة باشطابيا ومئذنة الجامع النوري، مشروع التجديد الحضري لمدينة الموصل القديمة –مناقشة علمية).  والتي تمخضت عن سلسلة من التوصيات رفعت الى الجهات ذات العلاقة من خلال رئاسة جامعة الموصل. الى جانب عدة مؤلفات علمية منها (الدراسة النهائية للتصميم الاساس لمدينة الموصل، مقدمة من سيت انترناشنال ودار العمارة، ترجمة د. داؤد سليم عجاج و دراسة (خطوات في تراث الموصل) للاستاذ الدكتور عماد الدين خليل.  وما يزال تداعي المدينة القديمة جارياً حتى الساعة بكل تفاصيلها العمارية حتى لنجد ان الموصل لا تضم سوى حماماً واحداً او اثنين فقط في حاضرنا!  ومن المعروف بأن الموصل قد شهدت منذ ستينات القرن العشرين توسعاً عمرانياً وخدمياً هائلاً تجاوز الاطر المكانية للمدينة القديمة ليزحف صوب الاتجاهات الاربعة وعلى جانبي نهر دجلة. فظهرت محلات سكنية جديدة وابنية حكومية ومرافق خدمية وحيوية ومؤسسات وشركات ورافقها هجرات الى المدينة من الارياف والمناطق القريبة والمحيطة بها، وكل ذلك ادى الى حدوث تغييراً ديموغرافياً ومورفولوجياً في المدينة عموماً، فضلاً عن ازالة علامات عمرانية بارزة في بناءها الاساسية فاختفى السور وابوابه وازيلت المقابر وبعض الساحات والمحلات السكنية والاسواق، لتحل محلها اشكالاً هندسية اخرى فرضتها الحداثة والتطورات العمرانية والخدمية اللاحقة.  ان ما يميز هذه الدراسة للسيد عبد الله محمد خضر الموسومة (التوسع العمراني لمدينة الموصل في القرن العشرين)، ان الباحث قد وظف خبراته الميدانية والوظيفية حين عمل مساحاً في دائرة الطابو في الموصل، في رسم الملامح الاساسية لكل التطورات العمرانية والمؤسسية للمدينة معززاً ذلك ببعض الصور الفوتوغرافية لفترات متعددة، فجاءت معبرة صادقة في تفاصيلها الدقيقة. وعليه فقد تبنى مركز دراسات الموصل، نشر هذه الدراسة لاعمام الفائدة للدارسين والباحثين والمهتمين في تراث وتاريخ هذه المدينة، منتهزين هذه الفرصة للتعبير عن آيات الشكر والثناء)). وقد ضم الكتاب بعد المقدمة والخاتمة وقائمة المصادر، (44) محوراً عالج الوقائع على الارض مما هو جغرافي وديموغرافي ومما هو تراثي واثري ايضاً ، وهذا الكتاب هو مرجع توثيقي لحقبة امتدت قرابة قرن من الزمان يوم كانت الموصل محصورة بسورها العتيق الذي جارت عليه معاول الهدم ويوم خرجت من ذلك السور لتتوسع وتمتد جنباتها حتى عبرت نهر دجلة فأمصرت شرقيه (الايسر) حتى كادت تربو على غربيه (الايمن) سعة وامتداداً فأصبحت المدبنة برمتها تزيد على خمسين ضعف حجمها القديم .  ويلاحظ على الكتاب انه مزود بالعديد من الخرائط والمخططات والصور والجداول مما يعكس اهتمام مؤلفه بتوثيق الخبر والنص بالصور والخرائط والتي تزيد من قوة الكتاب ومتانة مادته شرحاً وتوضيحاً وتوصيفاً وتوظيفاً ، إذا ما علمنا ان مؤلف الكتاب قد اعتمد في تأليف كتابه ليس على الكتب فحسب بل على خبرته الميدانية اذا ما علمنا انه وظف خبرته الميدانية والوظيفية - حين عمل مساحاً في دائرة الطابو في الموصل - في رسم الخطوط الاساسية لجميع التطورات العمرانية للمدينة.




    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق