الأربعاء، 17 أغسطس 2011

حكايات وطرائف موصلية قديمة للأستاذ الدكتور دريد عبد القادر نوري -عرض:د.محمد نزار الدباغ

صدر عن مركز دراسات الموصل كتاب ( حكايات وطرائف موصلية قديمة ) للأستاذ الدكتور دريد عبد القادر نوري 2011 ويندرج إصدار هذا الكتاب في تفعيل دور مركز دراسات الموصل واهتمامه بالموروث والتراث الشعبي والحكائي, ويمكن أن نُعّرف الحكاية الشعبية بأنها تلك الحكاية التي تناقلها الناس عن طريق الرواية الشفوية منذ القدم، ويلعب الخيال الشعبي دوراً كبيراً في صياغتها وفي تأطير بعض الأحداث التاريخية والشخصيات بالمبالغة والغرابة، زيادة على وقوفها عند حدود الحياة اليومية والأمور الدنيوية العادية، وتركز على مسائل العلاقات الاجتماعية والأسرية منها خاصة .
        لكننا نجد في الحكايات التي سطرها لنا أ.د دريد عبد القادر نوري في كتابه(حكايات وطرائف موصلية قديمة) ، إنها تروي لنا واقع لا خيال فيها، نقلها بأمانة من خلال معايشته وسماعه للكثير من أخبارها، وكأنها ترسم لنا صورة مجسمة بمعالمها وأبعادها وتعرضها للمشاهدة كما يعرض الشريط السينمائي أو التلفازي. وذكر المؤلف حديثا عن هذه الحكايات قبل سردها، بحدث قصير استدعته الحاجة في مجال البحث.
        وجاءت الحكايات في هذا الكتاب متنوعة المواضيع بتنوع الناس واختلاف المقومات الإنسانية لكل منهم عن الآخر فهناك النماذج الظريفة والنماذج الساذجة المغمورة، وهناك نماذج من العلاقات بين مختلف الأصناف.
        إن وقائع هذه الحكايات متداخلة في شتى أنواع الحياة الاجتماعية، ما بين حكايات تصور لنا الحمامات العامة والمقاهي ، فضلا عن حكايات تصور لنا وضع ذوي الحرف والأصناف، زيادة على حكايات تتعلق بالوظائف الحكومية وتكشف لنا عن ملامح شتى.
        وبرزت لنا من خلال هذه الحكايات العديد من المفردات والكلمات والمدلولات والمصطلحات الموصلية التي لها علاقة بالحياة العامة في الموصل، مثل مهنة أبو العتيق، وهو بائع الملابس والأحذية المستعملة، ونجد كذلك الخانجي وهو صاحب الخان الذي يُشرف على إدخال الحيوانات إلى الخان، وتتراءى لنا إحدى المهن النسائية التي تعد بحكم المنقرضة وهي مهنة الغسالة والمقصود بها غسالة الحمّام وليس غسالة الصوف، وهناك الآمعين وهو الحوض الكبير الذي يسخن فيه الماء في الحمامات العامة، فضلا عن مهنة أخرى وهي البسطجية، وتخص أصحاب الدكاكين التي تباع فيها الالبان، ومن المهن النسائية الأخرى التي وردت في قصص الكتاب مهنة القبالة (أي التوليد). وكثيرة هي حكايات الحياة اليومية العامة التي لا تبقى بالأذهان طويلاً لكنها يمكن أن تؤدي الى تكامل الصورة الاجتماعية في مجالات شتى في مدينة الموصل.
        وقد قّدم لهذا الكتاب الأستاذ الدكتور ذنون الطائي مدير مركز دراسات الموصل بكلمة وافية، ومما جاء فيها : " حين يتناها الى أسماعنا عنوان حكايات موصلية، يتبادر إلى الذهن مباشرة الحكايات المُشربة بالخيال السردي والمبالغات البينة في الأحداث والشخوص فضلاً عن عناصر التشويق في السرد.
        غير أن هذه الحكايات التي جمعها أ.د دريد عبد القادر نوري على مدى سنوات عدة، هي ليست ضمن حكايات الخيال، بل هي حكايات وقصص واقعية جرت أحداثها في مدينة الموصل وفي محلاتها السكنية وأزقتها المعروفة، وأن الشخصيات الواردة فيها هم حقيقيون، وان تلك الحكايات وقعت ضمن السياق اليومي العام لأبناء مدينة الموصل، ولا تخلو هذه الحكايات من عبر ودروس مستقاة من الواقع اليومي والمعبرة عن طبيعة الحياة الاجتماعية والواقع الاقتصادي لأهل الموصل قاطبة وفئاته المتعددة.
        كما إن تلك الحكايات تتراوح بين الجد والهزل ومنها المضحك والآخر مؤلم، ولا اخُفي إعجابي بتلك الحكايات وقد قرأتها اكثر من مرة ومرتين لظرافة بعضها وأهمية البعض الآخر، في قدرتها على رسم الملامح الحقيقية لمورفولوجية المدينة وترابط النسيج الاجتماعي لأهلها.
        إن قراءة هذه الحكايات ستحقق فائدتين أولها متعة القراءة وثانيها التعرف عن كثب على طبيعة وبساطة وحكمة أهل هذه المدينة العتيقة.
        كما ينبغي الإشارة إلى إن هذا الجهد يعد نادراً في بابه كونه أنصّب على جمع الحكايات الحقيقية وليست الخيالية، ولنا ان نقدر حجم الأتعاب والجهود المضنية التي بذلها الأستاذ الدكتور دريد عبد القادر نوري في جمعها وترتيبها أيام شبابه في أواسط سبعينيات القرن العشرين، متمنياً له كل التوفيق في انجازاته العلمية وهو المتخصص في تاريخ الحضارة الإسلامية، بعيداً عن ما كتب في الحكايات والذي يندرج في إطار الأدب الشعبي فله كل التقدير". وقد تضمن الكتاب فصول ثلاثة: حمل الفصل الأول عنوان (حكايات تصور لنا الحمامات والحمامات العامة والمقاهي) أما الفصل الثاني فكان (حكايات تصور لنا ذوي الحرف والأصناف) في حين جاء الفصل الثالث ليحدثنا عن (حكايات تصور لنا الوظائف الحكومية تكشف لنا عن ملامح شتى)
        ثم خاتمة الكتاب والتي أبرزت مضامين تلك الحكايات والغاية منها. نتمنى للدكتور دريد ولمركز دراسات الموصل مزيداً من العطاء العلمي خدمة لتاريخ مدينة الموصل وتراثها وحضارتها وموروثها الشعبي .  

روابط اخرى للمقال : 
http://middle-east-online.com/?id=115010