الأحد، 2 ديسمبر 2012

كوركيس عواد والتوثيق التاريخي لخزائن الكتب في العراق


كوركيس عواد والتوثيق التاريخي لخزائن الكتب في العراق
د.محمد نزار الدباغ
لقد ترك السريان بصمات واضحة منذ القدم في شتى مجالات العلم والمعرفة بما نقلوه من علوم الإغريق إلى الحضارة العربية الإسلامية ، وهذا النقل جاء على يد علماء أفذاذ بذلوا الغالي والنفيس في سبيل إيصال كلمة العلم والحكمة إلى أقصى بقاع الأرض فلا نكون مبالغين إن قلنا أن العديد من علماء السريان قد أثروا الحضارة العربية عموما وحضارة العراق على وجه الخصوص بالعديد من الكتب والمؤلفات والمصنفات في كافة مجالات العلوم والآداب والفنون وقد اكتنزت أسفارهم وما ألفوه في خزائن الكتب والمكتبات وكان نصيب بغداد هو الأكبر من بين المدن التي ضمت خزائن للكتب فضلاً عن العديد من المكتبات العامة والخاصة ، وهناك العديد من الأمثلة التي وردت في النصوص التاريخية والتي لا يمكن حصرها بمكان تؤكد على مساهمة السريان في التأليف والترجمة والنشر وسأكتفي ببعض الشواهد التاريخية تعزيزاً لما تقدم من الكلام .
يقول الأستاذ احمد أمين في كتابه " فجر الإسلام " ( كان فيما بين النهرين خمسين مدرسة تعلم العلوم السريانية واليونانية وكانت هذه المدارس تتبعها مكتبات ومن أشهر هذه المدارس نصيبين الأولى والثانية وجنديسابور , وكانت هذه المدارس بمثابة جسور عبرت فوقها علوم الأوائل كالفرس واليونان والتي كانت في مجموعها ذات اثر فعال ومباشر على النهضة العلمية التي شهدها العالم العربي الإسلامي .
وكانت في العراق قبل الفتح الإسلامي مدارس سريانية  تدرس فيها الكتب العلمية والفلسفية ولقد أبقى عليها الأمويون والعباسيون , فأصبحت تدرس فيها العربية وآدابها إلى جانب السريانية واليونانية والفارسية .
وفي عصر الخليفة المأمون أنشأت بيت الحكمة وهو مجمع علمي يحوي مرصدا فلكيا ومكتبة عامة وأقام فيه طائفة من المترجمين السريان على رأسهم الطبيب حنين بن إسحاق, كما انه استطاع أن يحصل على مكتبة من القسطنطينية تحوي كتبا ثمينة في الفلك والفلسفة والمنطق والموسيقى , فعمل كل من حنين وابنه إسحاق على ترجمة أمهات الكتب اليونانية والسريانية والفارسية والهندية  إلى اللغة العربية ,  ويذكر كل من ابن النديم في الفهرست والقفطي في أخبار الحكماء وابن أبي اصيبعة في عيون الأنباء أن حنين ابن اسحق ترجم للمأمون تسع وثلاثين رسالة من رسائل جالينوس وكتب المقولات الطبيعية والأخلاق الكبرى لأرسطو , وكتاب الجمهورية وكتاب القوانين وكتاب السياسة لأفلاطون فكان المأمون يعطيه ذهبا زنة ما ينقله من الكتب ، ومن المؤلفين والمترجمين  المسيحيين السريان الذين برزوا في علم الطب والفلسفة آل بختيشوع من مدرسة جنديسابور وتناقلوا العلم من جيل إلى جيل مدة ثلاثة قرون من حكم العباسيين ومؤسسها هو جورجيوس ابن جبرائيل ومن ثم ابنه وأحفاده وأحفاد أحفاده , ومن انسبائهم أيضا وهم جبرائيل بن عبد الله وابنه أبو سعيد حيث أن جميعهم خدموا الطب والفلسفة والمنطق بما عربوا وألفوا وأخبارهم موجودة في كتب ابن أبي اصيبعة  والقفطي ابن العبري.
كما كانت توجد في الكنائس والأديرة مدارس تدرس العلوم العقلية واللغوية والطب والمنطق والفلسفة واللاهوت وفيها خزائن الكتب والمكتبات التي تحوي كتب الأقدمين ومن أهم خزائن الكتب التي لا تزال موجودة منذ القدم والى وقتنا الحاضر خزانة الكتب في دير مار متي بالموصل .
ووصولاً إلى عصرنا الحاضر بقي الاهتمام بخزائن الكتب والمكتبات حاضراً والتوثيق لها جاء من خلال علماء أفذاذ برزوا في الميدان وسوف يكون تركيزنا في هذه الورقة بعد هذا التقديم الوجيز لجهود علماء السريان في حقل التأليف والإشراف على خزائن الكتب على المؤرخ والمفهرس كوركيس عواد من خلال كتابه(خزائن الكتب القديمة في العراق منذ أقدم العصور حتى سنة 1000 للهجرة)
ولد كوركيس بن حنّا عواد في ناحية القوش بمحافظة نينوى سنة 1908
وأصبح كوركيس عواد معلما بعد تخرجه من دار المعلمين في بغداد، وعين في باعشيقا المشهورة بزيتونها لكن الأستاذ ساطع الحصري مدير المعارف العام أراده أن ينتقل إلى دائرة الآثار بعد أن وجد بان له اهتمامات اثارية .اتجه نحو الترجمة والتحقيق وأحب الجغرافية واشترك بالمجلات العالمية وبدا رحلة الكتابة والنشر سنة 1931 عندما أرسل مقالة إلى مجلة النجم (الموصلية) التي كان يصدرها المطران سليمان الصائغ مؤلف كتاب تاريخ الموصل الذي يقع في 3 أجزاء وبعد فترة وجد مقالته منشورة وكان فرحه لا يوصف،
ويعد كوركيس عواد من الشخصيات البغدادية المعروفة في العراق، وهو من عائلة آل عواد أحد العوائل المسيحية في الموصل واستوطنوا بغداد،وأشتهر كوركيس عواد بالعمل الدئوب وسعة الإطلاع، إضافة إلى التأليف لكثير من المقالات والكتب بما تجود به قريحته من الأفكار يضاف إلى تخلقه بالأخلاق الحسنة والصفات الرفيعة ، وأصبح كوركيس عواد عضوا في عدة مجامع علمية منها المجمع العلمي العراقي ، ومجمع اللغة العربية بدمشق ومجمع اللغة العربية بعمان –الأردن ومجمع اللغة في الهند .  . كتب عن الكثيرين، وأشادوا بعلميته، وبعشقه للعراق وتراثه وتاريخه، وأشادوا بنبوغه ، ألف عنه الباحث العراقي الموسوعي الأستاذ حميد المطبعي كتابا نشرته دائرة الشؤون الثقافية سنة 1987 .كما كتب عنه أستاذنا الدكتور عمر الطالب في موسوعته الشهيرة : "موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين ، وتكلموا عن مكتبته الشخصية الكبيرة وفيها من الكتب ما يتجاوز عدده الاثني عشر ألف كتاب ومصدر والتي انتقلت لتشكل نواة مكتبة الجامعة المستنصرية ألف وحقق ما يقارب ال90 كتابا ،وله أكثر من 400 بحثا ودراسة ومقالة منشورة في أمهات المجلات العراقية والعربية والأجنبية ومن كتبه التي حازت الاهتمام:
§         أثر قديم في العراق (دير الريان هرمزد بجوار الموصل).
§         ما سلم من تواريخ البلدان العراقية.
§         رسائل أحمد تيمور باشا إلى الأب أنستاس ماري الكرملي.
§         كتاب الورق أو الكاغد صناعته في العصور الإسلامية.
§         المخطوطات العربية في دور الكتب الأمريكية.
§         جولة في دور الكتب الأمريكية.
§         بلدان الخلافة الشرقية.
§         مكتبة الإسكندرية.
§         مكتبة المتحف العراقي في ماضيها وحاضرها.
§         المخطوطات التاريخية في مكتبة المتحف العراقي.
§         معجم المؤلفين العراقيين في القرنين التاسع عشر والعشرين
§         الأب انستاس الكرملي، حياته ومؤلفاته 1966. 
§         فهرست مخطوطات خزانة يعقوب سركيس ببغداد 1966
§         جمهرة المراجع البغدادية بالاشتراك مع الأستاذ عبد الحميد العلوجي 1962.
§         العراق في القرن السابع عشر كما رآه الرحالة الفرنسي تافرنييه (ترجمة) بالاشتراك مع الأستاذ بشير فرنسيس 1944.
§         المراجع عن النقيبات الأثرية في العراق 1939-1959 ويقع في 4 أجزاء باللغة الانكليزية .
§         المكتبات العامة والخاصة في العراق 1961 (فصل طبع ضمن كتاب دليل الجمهورية العراقية)
§         مراجع المكتبات والكتب في العراق، بالاشتراك مع فؤاد قزانجي 1975
§         مصادر التراث العسكري عند العرب- ثلاث مجلدات 1981-1982. 
§         خزائن الكتب القديمة في العراق منذ أقدم العصور حتى سنة 1000 هجرية.
ومن مقالاته ودراساته وبحوثه : نذكر منها :
v   ما طبع عن بلدان العراق في اللغة العربية، مجلة سومر 1953-1954
v   تحقيقات بلدانية تاريخية أثرية في شرق الموصل، مجلة سومر 1961
v   العراق في نشر التراث العربي، مجلة المجمع العلمي العراقي 1969
v    ديارات بغداد القديمة، مجلة اللغة السريانية 1976،
v   ألفاظ الحضارة، مجلة المجمع العلمي العراقي 1978،
v    الديارات القائمة في العراق، مجلة المجمع العلمي العراقي 1982

كما أن له مؤلفات مخطوطة أبرزها:- 
·       ذكريات ومشاهدات
·       معجم الرحلات العربية والمعربة 
·       النباتات الطبية في مؤلفات القدماء والمحدثين من العرب
·       مصادر الزراعة والنبات عند العرب
·       الطعام والشراب في الآثار العربية المخطوطة والمطبوعة
·       الأصول العربية للدراسات السريانية
·       تكلمة معجم المؤلفين العراقيين
·       بغداد في مؤلفات الجغرافيين العرب القدماء
أما كتابه (خزائن الكتب القديمة في العراق منذ أقدم العصور حتى سنة 1000) للهجرة وهو موضوع هذه الورقة فيعد من أوائل الكتب التي عنيت بالبحث والتدقيق عن خزائن الكتب والمكتبات في العراق ، وهو أول كتاب يصدر باللغة العربية يتناول بالحديث مكتبة آشور بانيبال ، وانتهاء بخزانة ابن الثردة وهي من خزائن القرن الثالث الهجري/القرن التاسع الميلادي ، وقد صدر الكتاب بطبعته الأولى سنة 1948 ، ثم أعيد طبعة ثانية سنة 1986 عن طريق دار الرائد العربي في بيروت وبواقع (353) صفحة وعلى الطبعة الأخيرة كان اعتمادنا في إعداد هذه الورقة .
قدم كوركيس عواد في كتابه (خزائن الكتب القديمة في العراق...) وصف واستعراضاً وتوثيقاً تأريخياً لما يربو على المائة وسبعة وستين مكتبة وخزانة كتب ، عامة كانت أم خاصة ، لخلفاء وملوك وسلاطين ووزراء وقضاة وأدباء وشعراء ومؤرخين وفقهاء ومحدثين ولغويين وفلكيين ومنطقيين وغيرهم الكثير .
افتتح كتابه بمقدمة ذكر فيها دواعي تأليف كتابه مبيناً أن الإنسان العراقي عرف باهتمامه بخزائن الكتب وعنايته بها ومما جاء في مقدمة كتابه حول سبب تأليفه لهذا السفر الكبير قال : (( فرأينا أن نستقصي ما انتهى إلينا من أخبار تلك الخزائن مستندين في كل خبر نورده أو إشارة ندونها إلى أوثق المصادر وأثبتها )) ، وقسم الكتاب إلى أربعة أبواب ، ضم كل باب عددا من الأقسام وصلت أحيانا إلى خمسة أقسام وهذا ما نلاحظه في الباب الرابع من الكتاب والمعنون بخزائن كتب العراق في العصر الإسلامي والذي شغل أكثر من ثلثي الكتاب ، ورتب ذكر المكتبات وخزائن الكتب تاريخياً منذ القديم فالأحدث إذا ما كان الكلام عن الخزائن العامة أو خزائن الملوك والقديمة منها على وجه الخصوص وهكذا ، وان كانت الخزائن ضمن عصر معين أو حقبة تاريخية معينة وكانت تتعلق بالعلماء رتبها حسب سنة وفاة العالم ، جاء الباب الأول بمباحث تمهيدية عن أنواع الخزائن بين خاصة وعامة ، والكلام عن الوراقة والوراقون والمتضمن عملية نسخ الكتب وبيع أدوات الكتابة وتجليد الكتب وبيعها وشرائها ، ووقف الكتب ومصائرها ما بين حرق الكتب وغرقها أو دفنها وكذلك غسل الكتب وهو أسلوب آخر من أساليب إبادة الكتب .أما أبواب الكتاب الأخرى فقد ذكر فيها خزائن الكتب مرتبة وفق التسلسل التاريخي أو الزمني ، كذلك نجد أن هذه الخزائن قد تنوعت من حيث أماكن وجودها سواء كانت في القصور الملكية وهو ما ينطبق على خزائن الكتب القديمة في العراق كخزانة الملك آشور بانيبال ، وأحيانا أخرى نجدها موجودة في المساجد أو الجوامع والمدارس ودور العلم والحال ذاته في الكنائس والأديرة وربما أننا نجدها في أماكن اصغر نسبياً كالمراقد والمشاهد والربط وإذا ما ارتبطت خزانة الكتب بذكر احد العلماء نجدها تشكل حيزاً من بيته أو انه قد خصص لها مكاناً في غرفة من غرف البيت .
يبدأ التوثيق التاريخي عند كوركيس عواد في ذكره لخزائن الكتب بذكر مسمياتها والتي ربما يكون لها أكثر من اسم ، ثم يذكر موقعها ضمن أي تشكيل عمراني تكون هل هي في مسجد أو جامع أو دير أو بيت ، ثم يأتي على ذكر الإشارات التاريخية للخزانة حسب ما أتت على ذكره المصادر والمراجع مع ذكر اسم منشئها أو لمن تعود وذكر شيء من أخباره وعمله ، ومما يبين دقة المؤرخ كوركيس عواد انه كان يهتم بذكر التفاصيل الدقيقة لخزائن الكتب فكان يذكر أحجامها ما بين كبيرة أم صغيرة والعاملين عليها إن لم تكن إدارتها من قبل صاحبها ، وما تقدمه الخزانة والقائمين عليها من خدمات للعلماء وطلبة العلم الوافدين إليها ، ولا غرو أن نجد اهتمام كوركيس عواد بذكر بعض المخطوطات والكتب والرسائل والأوراق التي كانت موجودة في بعض الخزائن كون أن البعض منها يعد نفيساً لجمال خطه وزخرفته وتلوينه وتجليده أو كون البعض منها يعود تاريخ نسخه وكتابته إلى قرون متقدمة ، وربما يكتسب المخطوط الموجود في خزائن الكتب عند كوركيس عواد أهميته من موضوعه الذي يعالجه وربما لندرة المخطوط نفسه وهو بذلك قد أفادنا بذكر عناوين للكثير من المخطوطات والكتب وأعلمنا بوجودها ، كون أن العديد منها هو الآن بحكم المفقود أو الضائع وربما لم يعد موجوداً في نفس الخزانة التي وثقها كوركيس عواد ونقل إلى مكان آخر أو أصابه الضياع أو التلف لو تعرض للسرقة والكلام ينطبق على مخطوطات المساجد والأديرة وينتهي كوركيس عواد من توثيقه للخزانة بذكر مصيرها وما آلت إليه .
ونجد أن كوركيس عواد قد ذكر في نهاية كتابه الموسوم ب( خزائن الكتب القديمة في العراق) مجموعة من الملاحظات والاستدراكات جاء بعضها بعد طباعة الكتاب وهذا إن دل على شيء فيدل على متابعة كوركيس عواد لأخبار هذه الخزائن حتى بعد إخراج كتابه منبهاً إلى أهم الدراسات والبحوث التي عثر عليها بعد طباعة سفره القيم.
وأُختتم الكتاب بمجموعة من الفهارس سهلت على الباحث العثور على أي معلومة يحتاجها سواء كانت متعلقة بعَلم من الأعلام أو مدينة أو خزانة ، فابتدأ بفهرس أعلام الناس وتلاه فهرس الأقوام والملل وفهرس الأمكنة والمواضع وفهرس خزائن الكتب وفهرس أسماء الكتب والرسائل من مطبوعة ومخطوطة والمقالات والجرائد والمجلات وقد ذكرها مختصرة مقصورة على لقب المؤلف وكتابه أو ذكر اسم الكتاب فقط كونه قد جاء على ذكر المعلومات النشرية للكتاب كاملة لدى ورودها لأول مرة في هوامش صفحات الكتاب ، وذكر فهرساً للألفاظ الدخيلة والمصطلحات وما إلى ذلك واختتم فهارسه بذكر فهرس محتويات الكتاب .
لقد كان كوركيس عواد من أهم المفهرسين في العراق بلا منازع، وقد حصر جل اهتمامه في هذا المجال.توفي رحمه الله سنة 1992 .ويقينا أن ما تركه من منجزات تجعله يحتل مكانة مرموقة ليس في ساحات التاريخ الثقافي في العراق المعاصر وإنما في التاريخ الثقافي العربي والعالمي.

الكتب والمقالات المعتمدة في انجاز هذه الورقة :
1.مادة (كوركيس عواد ) من ويكابيديا (الموسوعة الحرة)- رقمي
2.إبراهيم خليل العلاف ، كوركيس عواد بصمة في جدار الثقافة العراقية المعاصرة- رقمي
3.ابن النديم ، كتاب الفهرست .
4.ابن أبي اصيبعة ، عيون الأنباء في طبقات الأطباء .
5.القفطي ، أخبار العلماء بأخبار الحكماء.
6. حميد المطبعي ، كوركيس عواد .
7.عمر الطالب ، موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين.
8.كوركيس عواد ، خزائن الكتب القديمة في العراق منذ أقدم العصور حتى سنة 1000 للهجرة.
9.فؤاد قزانجي ، تجوال في رفوف خزائن الكتب القديمة في العراق جريدة الزمان ، - رقمي
10.الجذور المسيحية للحضارة العربية الإسلامية – الحلقة الثالثة – رقمي
11. بشار بهنام باكوز ، السريان شهود للكلمة حتى أقاصي الأرض – رقمي
12.جبو بهنام ، تاريخ الثقافة السريانية بين التراث والمعاصرة - رقمي


الجمعة، 30 نوفمبر 2012

عرض كتاب ( طبقات العلماء والمحدثين من أهل الموصل ) لأبي زكريا يزيد بن محمد بن إياس الأزدي الموصلي(ت: 334 هـ/945م) استخراج : بسام إدريس الجلبي بقلم : د.محمد نزار الدباغ/مركز دراسات الموصل/جامعة الموصل



 عرض كتاب ( طبقات العلماء والمحدثين من أهل الموصل )
لأبي زكريا يزيد بن محمد بن إياس الأزدي الموصلي(ت: 334 هـ/945م)
استخراج : بسام إدريس الجلبي
بقلم : د.محمد نزار الدباغ/مركز دراسات الموصل/جامعة الموصل
صدر عن مكتب الأرجوان للطباعة والإخراج الفني في الموصل (2012) كتاب (طبقات العلماء والمحدثين من أهل الموصل) لأبي زكريا يزيد بن محمد بن إياس الأزدي الموصلي ، وهو من استخراج الباحث بسام إدريس الجلبي ويقع الكتاب في ثلاثمائة واحد عشر صفحة من القطع المتوسط وبغلاف ملون .
وعُرف عن أبي زكريا الازدي من خلال ما ذكرته المصادر أن له ثلاثة كتب كتاب (تاريخ الموصل) والمكون من ثلاثة أجزاء ، وصلنا منه الجزء الثاني وهو محقق ومطبوع ، أما الكتاب الثاني فهو (القبائل والخطط) وهو مفقود ، على أن الكتاب الثالث هو كتاب (طبقات العلماء والمحدثين من أهل الموصل) ، وهذا الكتاب ضائع أيضا باستثناء بعض النصوص القصيرة التي وردت في مصنفات المؤرخين ابتداء من القرن (5هـ/11م) وانتهاء بمطلع القرن (10هـ/16م) وقد تصدى الباحث لهذه النصوص بالبحث والجمع والدراسة والتحليل على مدى قرابة الربع قرن وعمل على استخراج نصوص الكتاب الضائع من خلال مراجعته لكتب التاريخ والتراجم والطبقات وكتب الحديث النبوي الشريف عن النصوص الأصلية للازدي ليضعها بين أيدينا في هذا الكتاب .
والحقيقة أن ما قام به الباحث يعد محاولة جيدة لأنه قد اخرج لنا من شذرات متفرقة من النصوص المبثوثة في بطون الكتب ، كتاباً يعد بحكم الضائع في وقتنا الحاضر، سيما وان ما قام باستخراجه يعد مهماً لأننا إن لم نكن مجزمين فكتاب (الطبقات ...) هو ثالث كتاب من حيث الأهمية والقيمة التاريخية يؤرخ لمدينة الموصل محلياً ، بعد كتابي (تاريخ الموصل) للازدي،وكتاب(الباهر في تاريخ الدولة الاتابكية) لابن الأثير، فهو قد أضاف للمكتبة الموصلية كتاباً ومصدراً مهماً يؤرخ لفترة متقدمة من تاريخ الموصل تمتد من القرن (1هـ/7م) وانتهاء بالقرن(4هـ/10م) وإن كان التركيز من خلال عرض الروايات ووفاة المترجم لهم كانت بين القرنين الثاني والثالث الهجريين /القرنيين الثامن والتاسع الميلاديين.
توزعت أعداد المترجم لهم في كتاب (الطبقات ...) بحسب الفترة الزمنية الى (133) ترجمة ممن عاش في القرن (3هـ/9م) وهي النسبة الأعلى في الكتاب ، ويليها (60) ترجمة ممن عاش في القرن (2هـ/8 م) ، ولدينا تقارب عددي بين المترجم لهم ممن عاش بين القرن (1هـ/7م) والقرن (4هـ/10م) ، إذ بلغ عددهم (18) و (14)  ترجمة على الترتيب ، ومن خلال الأعداد المتقدمة للمترجم لهم قياساً بالقرون التي عاشوا فيها نجد أن تركيز الازدي كان منصباً على الترجمة للعلماء السابقين له بفترة زمنية ليست بالبعيدة والمقصود بها علماء القرن (3هـ/9م) والذين يشكلون الأغلبية من حيث العدد . 
ونجد من خلال أسماء المترجم لهم تنوعاً في الانتساب إلى الإقليم أو المدينة وهذا بالطبع يرتبط بالعامل الجغرافي من حيث أصل المترجم له أو ولادته في أي مكان كانت وقد وردت لدينا أمثلة كثيرة في أسماء المترجم لهم إذ جاءت النسبة إلى مدينة الموصل في الطليعة والنسبة إليها الموصلي بواقع 148 مرة وهي النسبة الأعلى وهذا لا يثير استغرابنا بالطبع لان أكثر من ترجم لهم من أهل الموصل وجاءت بعدها النسبة إلى الهمداني(من همدان) والهروي(من هراة) والكاري (نسبة إلى كار من قرى الموصل) وبواقع مرتين ، أما النسبة إلى المدن الأخرى والتي جاءت الإشارة إليها مرة واحدة فهي بغداد والمدائن والحيرة والكوفة وحلوان واذرمة ، ونجد النسبة إلى القرى كما هو في السغدي (من قرى نيسابور) وهناك النسبة إلى بعض أطراف بعض المدن كالكرخي نسبة إلى الكرخ (من بغداد) ، بينما هناك الانتساب إلى القبيلة وقد جاء بنسبة اقل فمن بين 32 قبيلة ذكرها الازدي في كتابه نجد أن النسبة إلى قبيلة الازد قد جاءت أكثر من أي قبيلة وبواقع 12 إشارة ونحن لا نزعم أن الازدي قد انحاز في الترجمة لأبناء جلدته لأننا لا نملك دليلا ملموساً على ذلك وبنسبة اقل نجد النسبة إلى التميمي (من قبيلة تميم) وجاءت الإشارة إليها 6 مرات تلاها النسبة إلى الطائي (من قبيلة طي) والبجلي (من بجيلة) وبواقع 4 إشارات ثم نجد النسبة إلى القرشي (من قريش) والنسبة إلى الاسدي (من قبيلة أسد) جاءت بواقع ثلاثة إشارات أما بقية القبائل والبطون فجاءت الإشارة إليها مرتين أو مرة واحدة .
 ثم نجد الانتساب إلى المهنة وقد جاءت بنسبة اقل من الانتساب إلى القبيلة وبإشارة واحدة بالنسبة إلى الزيات والعطار والخفاف والوراق والصفار، ثم الانتساب إلى القومية كالفارسي والرومي وجاءت بإشارة واحدة لكل منهما ، والنسبة إلى ديانة المترجم له وقد جاءت بإشارة واحدة نسبة إلى النصراني ، ومن الغريب أننا لا نجد في أسماء المترجم لهم ألقابا تدل على الجانب العلمي سيما وان اغلب المترجم لهم من المحدثين فقد جاءت الإشارة إلى هذا الجانب بإشارتين نسبة إلى الفقيه .
وقد صدّر الباحث مستخرجه بمقدمة طويلة سبقتها قائمة بالمختصرات الواردة في الكتاب وتضمنت المقدمة التعريف بالازدي وذكر أهم من ترجم له من المؤرخين القدامى والمحدثين ، ثم التعريف بحياته و شيوخه ورحلته العلمية واهتماماته على صعيد العلوم ومهنته واهم الدراسات التي كتبت عن الازدي من كتب ورسائل جامعية وبحوث علمية ، ثم تحدث الباحث عن مصنفاته مع التركيز على كتابه (الطبقات...) مبتدئاً بتعريف الطبقة لغة واصطلاحاً وذاكراً أهم ما صُنف من كتب الطبقات والتي حددت المدة الزمنية للطبقة إبتداءاً بكتاب (طبقات فحول الشعراء) لمحمد بن سلام الجمحي (ت: 231هـ/846م) وإنتهاءاً بكتاب (طبقات الحفاظ) لجلال الدين السيوطي(ت: 911هـ/1505م)، ثم عالج العلاقة بين طبقات خليفة بن خياط وطبقات الازدي ، وهو موضوع جدير بالدراسة ، وعرج على التسميات التي عُرِفَ بها كتاب (الطبقات...) للازدي ومتى بقي كتابه معروفاً لدى المؤرخين.
وقبل الشروع في شرح عمل الباحث من خلال مستخرجه هذا لابد لنا من توضيح معنى الاستخراج ، فاستخراج الكتاب الضائع هو إظهار ما تبقى منه في بطون الكتب المتخصصة ، ثم نجد أن الباحث كان دقيقاً في تفصيله لشرح مفردات عنوان الكتاب (أي كتاب طبقات العلماء والمحدثين من أهل الموصل) ، ولم يجزم الباحث بأن ما قام باستخراجه من تراجم العلماء والمحدثين يمثل مجمل من ترجم لهم الازدي طالما أن الكتاب الأصلي مفقود .
أما طريقة عمل الباحث في الترجمة للعالم أو المحدث المعين ، ففي متن الكتاب ذكر الباحث اسم العلم ثلاثياً أو اقل ، وتحته ولادته ووفاته أو أي تاريخ يشير إلى عصره ، وتبدأ الترجمة لدى الباحث بذكر النصوص الازدية – في حال وجودها – مبتدءاً بتاريخ الموصل ، الجزء الثاني المحقق والمطبوع ثم تابع المصادر تعاقبياً مع توسع في ذكر الشيوخ والتلاميذ وذكر الأحاديث النبوية التي رووها وحفظها لنا مؤرخونا الأوائل .
أما المصادر والهوامش المرتبطة بمتن الكتاب ، فنجد أن الباحث فيما يتعلق بالمصادر فقد ذكر أسماء مصادر الترجمة وخص منها بالذكر كتاب (بغية الطلب...) لابن العديم (ت:622ه/1225م) وكتاب (تاريخ الإسلام...) للذهبي(ت:748ه/1347م) فضلاً عن كتاب الباحث (موسوعة أعلام الموصل) ، وفي الهوامش بدأ الباحث بإحالة النصوص الازدية إلى مصادرها وإحالة مفردات الترجمة إلى مواقعها ، مع التعليق على بعض منها – مفردات الترجمة- مثل ذكر موقع علم جغرافي أو ذكر الاختلافات الواردة حول هذه المفردة بين المؤرخين والمترجمين.
وربما أن ما لم نجده في هذا الكتاب هو خلوه من فهرست بعنوانات المواضيع الواردة في هذا المستخرج سيما وان مقدمة الكتاب الطويلة نسبياً والبالغ عدد صفحاتها (43) صفحة كانت تتطلب وجود فهرست يوضح محتوياتها لوجود فقرات وتفاصيل كثيرة ومهمة في ذات الوقت تتطلب تصدير فهرست بعنواناتها سواء أكانت عنوانات رئيسة أم فرعية فضلاً عن مادة الكتاب الرئيسة بما تحويه من أسماء الأعلام (العلماء والمحدثين) المترجم لهم من أهل الموصل .
ورغم أن الباحث أقر في بداية مستخرجه بأنه لم يفرد قائمة بأسماء المصادر والمراجع –في آخر كتابه- كما جرت العادة ، والتي استعان بها في التعريف والتوضيح والإحالة للمترجم لهم وإنما أوردها في آخر كل ترجمة ربما كان خشية من الوقوع في التكرار لأسماء المصادر أسفل كل ترجمة وبين ذكرهم في آخر الكتاب وهو ما دفعه في الاكتفاء بذكرهم أسفل كل ترجمة دون آخر الكتاب وربما أن التكرار لأسماء المصادر كان سيزيد أيضاً من حجم الكتاب كِبراً، وكان الباحث قد خطط أن يشفع هذا المستخرج بتراجم موجزة لأهم الرجال الواردين في الكتاب ، فضلاً عن ذكر تراجم موجزة للاماكن الواردة أسماؤها في أثناء الكتاب – ولم يورد كليها- لان هذا الكلام كان حسب زعم الباحث – قبل عصر الانترنيت- عند شروعه بالعمل في هذا الكتاب ، لذا فقد أحال القارئ إلى أن يرجع للانترنيت حيثما أشكل عليه اسم علم بشري أو موقع جغرافي لمدينة أو إقليم .
وبسام الجلبي من مواليد مدينة الموصل سنة 1941 وهو باحث وكاتب صحفي ومؤرخ وقاص له كتاب (موسوعة أعلام الموصل) في جزأين عام 2004 والذي قامت كلية الحدباء الجامعة في الموصل بطباعته ، فضلاً عن استخراج كتاب (طبقات العلماء والمحدثين من أهل الموصل) لأبي زكريا الازدي الموصلي الصادر في سنة 2012 وهو الكتاب المقدم في هذا العرض ، زيادة على (قصص لا تستحق القراءة) وهي مجموعة قصصية صدرت سنة 2012 .
وله كتب لا تزال مخطوطة وهي (خزائن كتب الموصل عبر العصور) ، و(أسرة آل منعة الموصلية : محاولة دراسة حياتية وعلمية) و (الموصل في رحلات ومذكرات العرب والأجانب) و(المستدرك على أعلام الموصل)، وذكر المرحوم الأستاذ الدكتور عمر الطالب " أن له – بسام الجلبي-(معجم أدباء الموصل) والذي لا يزال مخطوطا" والحقيقة انه لا يوجد كتاب بهذا الاسم للأستاذ الجلبي و لا نعلم بالتحديد مصدر المعلومة التي استند عليها الدكتور عمر الطالب في  موسوعته بذكر وجود مخطوط لبسام الجلبي ترجم فيه لأدباء الموصل ، ورغم عدم وجود كتاب للأستاذ بسام الجلبي بهذا العنوان إلا انه ترجم للعديد من أدباء الموصل في كتابه (موسوعة أعلام الموصل).وللأستاذ بسام الجلبي مؤلفات أخرى تحت الطبع وهي (حوليات الموصل من الفتح العربي الإسلامي حتى نهاية القرن التاسع عشر) و (مجموعة مقالاته التي نشرها بين عامي 1993-2003(.
* تنويه (تقتضيه الأمانة العلمية) : فيما يتعلق بالسيرة الذاتية للأستاذ بسام الجلبي تم الاستعانة بالمقالات والمواد التالية :
1.أ.د.عمر محمد الطالب ، موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين ، (الموصل،مركز دراسات الموصل/جامعة الموصل،2008)، مادة بسام الجلبي، على موقع الدكتور عمر الطالب :
2.أ.د.إبراهيم خليل العلاف ، بسام إدريس ألجلبي وموسوعة أعلام الموصل، مقال منشور في مدونة الدكتور إبراهيم العلاف على الرابط :
3.سؤال كاتب المقال للباحث بسام الجلبي حول حقيقة وجود كتاب مخطوط له بعنوان (معجم أدباء الموصل) من مكالمة هاتفية في الساعة 6:49 من مساء الخميس الموافق 6/12/2012.








الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012


صدر عن مركز دراسات الموصل في جامعة الموصل "موسوعة الموصل التراثية" والتي قام بجمعها وإعدادها الباحث أزهر العبيدي، وقدم لها الدكتور ذنون الطائي بالاشتراك مع الباحث عبد الجبار محمد جرجيس.وتعنى هذه الموسوعة بدراسة حياة الموصليين وما يتعلق بهم أفرادا كانوا أو جماعات، من علوم وفنون وتاريخ وآداب وعقائد وعادات وأساطير وحكايات شعبية وأمثال وألغاز وأغاني واحتفالات وصناعات حرفية وأكلات شعبية، وما إلى ذلك من مظاهر حياة عامة الناس.ويذكر الأستاذ الدكتور ذنون الطائي مدير مركز دراسات الموصل "إن هذا المشروع جمع كل ما كتب من موضوعات تراثية عن مدينة الموصل والمنشورة في الأعداد المختلفة من مجلة التراث الشعبي كما باركه الأستاذ الدكتور أبيّ سعيد الديوه جي رئيس جامعة الموصل، وأوعز بتوفير كل مستلزمات إصداره"وسيجد القارئ بين ثنايا هذه الموسوعة نفحات من التراث الموصلي القديم من خلال صورة المجتمع الموصلي، كما رسمها عدد من الكتّاب والباحثين المهتمين بذلك التراث الثر، ومنهم على سبيل المثال، المؤرخان الراحلان سعيد الديوه جي وأحمد الصوفي والباحث الراحل عبد الحليم اللاوند، والباحثان في التراث فرقد علي الجميل ومثري العاني وغيرهم.وتقع هذه الموسوعة في مجلدين، ويبلغ عدد صفحات كل منهما نحو ستمائة وثلاثون صفحة،وتعد هذه الموسوعة وعاءاً ضم كل ملامح الحياة في الفترات السابقة لمدينة الموصل، ولم يزل جزء منه باقيا حتى يومنا هذا. 

الأحد، 29 يوليو 2012


مشكلة الأراضي في الموصل
-إستقراء لنص من شهادة بلدانية في القرن الرابع الهجري-
ابن حوقل أنموذجا
                         د.محمد نزار الدباغ-مركز دراسات الموصل                                                                                                               
تعد مدينة الموصل إحدى الحواضر العربية المهمة التي كانت قاعدة بلاد الجزيرة وشهدت تطورا كبيرا على كافة الصعد وخصوصا في العصر الأموي (49-661هـ/132-750م)  وصولا إلى حكم الدولة الحمدانية (317 – 399 هـ / 929 – 1008م)والتي كانت عاصمتها الأولى الموصل ثم حلب على الترتيب .ومن المعروف أن الحمدانيين كانوا قد فرضوا جبايات وضرائب كثيرة على أهل الموصل لتنظيم شؤون دولتهم الناشئة فضلا عن تجهيز الحملات ضد البيزنطيين مما تطلبه الوضع السياسي آنئذ بعد أن أصبحت الدولة الحمدانية على تماس مع الدولة البيزنطية وخصوصا بعد أن دخلت حلب وأعمالها ضمن أراضي الدولة الحمدانية ، ولا ريب أن كثرة الضرائب المفروضة على أهل الموصل ومصادرات الأراضي والمنازل قد أثقلت كاهل العديد من البيوتات والعوائل الموصلية الساكنة في المدينة مما خلق مشكلة خاصة بالأرض بين حاكم الموصل الحمداني وأهل المدينة .
ومن هذا المنطلق جاءت هذه الورقة المقدمة إلى أعمال هذه الندوة المباركة لتقدم عرضا استقرائياً لنص صغير ورد كتاب (صورة الأرض) للبلداني الذائع الصيت ابن حوقل ، أبو القاسم بن محمد علي الموصلي النصيبي، (ت: 367ﻫ /979م)الذي عاش في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي معاصرا وشاهد عيان على ما كان يجري في الموصل من مصادرات وفرض الضرائب من قبل الدولة الحمدانية على أهل المدينة .
قال ابن حوقل في النص ((... وارتفاع وجبايات زادت على ما كانت عليه في سالف الزمان لان اللعين لا رحمه الله اخذ مما كان في جملته وخدمه أملاكهم واشترى الكثير منها بالقليل التافه من أعشار أثمانها وأستملك رباعها واحتوى خارجها وداخلها )) ومن خلال استقرائنا لهذا النص نلاحظ تميز مدينة الموصل بامتلاكها لمزارع كثيرة وامتدادها على مساحات كبيرة من الأراضي بدليل ذكر ابن حوقل لعبارة ((وارتفاع وجبايات ...)) وكما نعلم أن مفهوم الارتفاع هنا هو معدل الريع الخاص بإنتاج الأراضي للمحاصيل وفق الأسعار السائدة ، والجبايات هو ما تفرضه الدولة من مبالغ على المزارعين وأصحاب الأراضي من الأهالي وهو ما يدخل ضمن السياسة المالية للدولة الحمدانية ، ولهذا نجد أن ابن حوقل صب جام غضبه على الحاكم الحمداني والذي لم يسمه في النص ربما خوفاً من المطاردة والذي نعته بقوله ((لان اللعين لا رحمه الله)) وهنا نجده متحاملا على الحاكم الحمداني وهو على الأغلب أبو محمد الحسن الملقب ناصر الدولة ابن أبي الهيجاء بن حمدان بن حمدون المتوفى سنة (358هـ/969م)، أول ملوك الدولة الحمدانية في الموصل ،والدليل على ذلك أن سنة وفاة ناصر الدولة الحمداني توافق سنة دخول ابن حوقل لمدينة الموصل وهي سنة (358هـ/969م) حسب إشارة ابن حوقل في كتابه (صورة الأرض) بقوله ((وحضرت مدينة الموصل آخر دجلة دخلتها سنة ثمان وخمسين)) ، وإذا تابعنا النص في قسمه الأخير نجد أن ابن حوقل قد أشار إلى أن الأمير ناصر الدولة (إذا ما أخذنا بالافتراض المتقدم من أن ما قصده بالحاكم الحمداني هو الأمير ناصر الدولة الحمداني) قد استولى على أراضي الأهالي تحت الضغط والإكراه بشرائها بأثمان بخسة، ربما يعود تحامله هذا إلى اعتقال أخيه احمد بن حوقل من قبل بني حمدان في الموصل مما دعاه إلى توجيه نقده اللاذع لهم.   
مصادر ومراجع ذات صلة :
1. ابن حوقل، أبي القاسم بن محمد علي الموصلي النصيبي، صورة الأرض، (القاهرة، دار الكتاب الإسلامي، د.ت).
2.فيصل السامر، الدولة الحمدانية في الموصل وحلب، (ط1، بغداد، مط الإيمان، 1970)، ج 1.
3.مادة (ناصر الدولة الحمداني) من الموسوعة الحرة (ويكابيديا) على الموقع الالكتروني :  http://ar.wikipedia.org
4.ليلى توفيق سلمان ، مقاصد البلدانيين في مؤلفاتهم في القرنين الثالث والرابع الهجريين، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1988.