الأحد، 29 يوليو 2012


مشكلة الأراضي في الموصل
-إستقراء لنص من شهادة بلدانية في القرن الرابع الهجري-
ابن حوقل أنموذجا
                         د.محمد نزار الدباغ-مركز دراسات الموصل                                                                                                               
تعد مدينة الموصل إحدى الحواضر العربية المهمة التي كانت قاعدة بلاد الجزيرة وشهدت تطورا كبيرا على كافة الصعد وخصوصا في العصر الأموي (49-661هـ/132-750م)  وصولا إلى حكم الدولة الحمدانية (317 – 399 هـ / 929 – 1008م)والتي كانت عاصمتها الأولى الموصل ثم حلب على الترتيب .ومن المعروف أن الحمدانيين كانوا قد فرضوا جبايات وضرائب كثيرة على أهل الموصل لتنظيم شؤون دولتهم الناشئة فضلا عن تجهيز الحملات ضد البيزنطيين مما تطلبه الوضع السياسي آنئذ بعد أن أصبحت الدولة الحمدانية على تماس مع الدولة البيزنطية وخصوصا بعد أن دخلت حلب وأعمالها ضمن أراضي الدولة الحمدانية ، ولا ريب أن كثرة الضرائب المفروضة على أهل الموصل ومصادرات الأراضي والمنازل قد أثقلت كاهل العديد من البيوتات والعوائل الموصلية الساكنة في المدينة مما خلق مشكلة خاصة بالأرض بين حاكم الموصل الحمداني وأهل المدينة .
ومن هذا المنطلق جاءت هذه الورقة المقدمة إلى أعمال هذه الندوة المباركة لتقدم عرضا استقرائياً لنص صغير ورد كتاب (صورة الأرض) للبلداني الذائع الصيت ابن حوقل ، أبو القاسم بن محمد علي الموصلي النصيبي، (ت: 367ﻫ /979م)الذي عاش في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي معاصرا وشاهد عيان على ما كان يجري في الموصل من مصادرات وفرض الضرائب من قبل الدولة الحمدانية على أهل المدينة .
قال ابن حوقل في النص ((... وارتفاع وجبايات زادت على ما كانت عليه في سالف الزمان لان اللعين لا رحمه الله اخذ مما كان في جملته وخدمه أملاكهم واشترى الكثير منها بالقليل التافه من أعشار أثمانها وأستملك رباعها واحتوى خارجها وداخلها )) ومن خلال استقرائنا لهذا النص نلاحظ تميز مدينة الموصل بامتلاكها لمزارع كثيرة وامتدادها على مساحات كبيرة من الأراضي بدليل ذكر ابن حوقل لعبارة ((وارتفاع وجبايات ...)) وكما نعلم أن مفهوم الارتفاع هنا هو معدل الريع الخاص بإنتاج الأراضي للمحاصيل وفق الأسعار السائدة ، والجبايات هو ما تفرضه الدولة من مبالغ على المزارعين وأصحاب الأراضي من الأهالي وهو ما يدخل ضمن السياسة المالية للدولة الحمدانية ، ولهذا نجد أن ابن حوقل صب جام غضبه على الحاكم الحمداني والذي لم يسمه في النص ربما خوفاً من المطاردة والذي نعته بقوله ((لان اللعين لا رحمه الله)) وهنا نجده متحاملا على الحاكم الحمداني وهو على الأغلب أبو محمد الحسن الملقب ناصر الدولة ابن أبي الهيجاء بن حمدان بن حمدون المتوفى سنة (358هـ/969م)، أول ملوك الدولة الحمدانية في الموصل ،والدليل على ذلك أن سنة وفاة ناصر الدولة الحمداني توافق سنة دخول ابن حوقل لمدينة الموصل وهي سنة (358هـ/969م) حسب إشارة ابن حوقل في كتابه (صورة الأرض) بقوله ((وحضرت مدينة الموصل آخر دجلة دخلتها سنة ثمان وخمسين)) ، وإذا تابعنا النص في قسمه الأخير نجد أن ابن حوقل قد أشار إلى أن الأمير ناصر الدولة (إذا ما أخذنا بالافتراض المتقدم من أن ما قصده بالحاكم الحمداني هو الأمير ناصر الدولة الحمداني) قد استولى على أراضي الأهالي تحت الضغط والإكراه بشرائها بأثمان بخسة، ربما يعود تحامله هذا إلى اعتقال أخيه احمد بن حوقل من قبل بني حمدان في الموصل مما دعاه إلى توجيه نقده اللاذع لهم.   
مصادر ومراجع ذات صلة :
1. ابن حوقل، أبي القاسم بن محمد علي الموصلي النصيبي، صورة الأرض، (القاهرة، دار الكتاب الإسلامي، د.ت).
2.فيصل السامر، الدولة الحمدانية في الموصل وحلب، (ط1، بغداد، مط الإيمان، 1970)، ج 1.
3.مادة (ناصر الدولة الحمداني) من الموسوعة الحرة (ويكابيديا) على الموقع الالكتروني :  http://ar.wikipedia.org
4.ليلى توفيق سلمان ، مقاصد البلدانيين في مؤلفاتهم في القرنين الثالث والرابع الهجريين، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1988.