قراءة في رسالة الماجستير : المعطيات الاقتصادية والثقافية في (بلاد الجزيرة) في كتابياقوت الحموي ( معجم البلدان)
للطالب كامران عبد الرزاق محمود الترجيليعرض : د.محمد نزار الدباغ
حظي إقليم الجزيرة والذي تعد الموصل قاعدته باهتمام عدد من البلدانيين المسلمين بسبب أهميته و دوره في مسار التأريخ الإسلامي وكانت بلاد الجزيرة حلقة وصل بين شرق الدولة الإسلامية وغربها ، فضلاً عن تمتع إقليم الجزيرة بمركز مهم في إدارة الدولة من حيث احتلاله موقعاً استراتيجياً مهماً في مجاورته لحدود الدولة البيزنطية حيث يكمن العدو الدائم ومصدر الخطر المستمر على الدولة الإسلامية ، إذ يوجد في الإقليم عدد من المدن والنواحي والقصبات والقرى المهمة.
وقدم الباحث كامران عبد الرزاق محمود الترجيلي في رسالته للماجستير والمعنونة ﺒ(المعطيات الاقتصادية والثقافية في (بلاد الجزيرة) في كتاب ياقوت الحموي ( معجم البلدان) والتي نوقشت سنة 2010 في قسم التاريخ ، كلية الآداب ، جامعة الموصل ، بإشراف الدكتور سالم أحمد محل ، دراسة في النواحي الاقتصادية والثقافية لبلاد الجزيرة والتي تعد من أهم جوانب الدراسات الحضارية التي تهتم بتشكل المجتمعات، فقد اهتم كثير من الباحثين قديما وحديثا بتتبع الجوانب العسكرية والسياسية عندما يتحدثون عن دولة من الدول أو شعب من الشعوب ، لذا نجد أنه لا تكتمل دراسة شعب أو منطقة إلا بالوقوف على الأنماط الاقتصادية السائدة في مجتمع من المجتمعات فضلاً عن الجوانب الثقافية .
وجاءت دراسة الناحيتين المتقدمتين من خلال كتاب (معجم البلدان ) لياقوت الحموي ، شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي ( ت : 626 هـ/1228م) وهو من أهم البلدانيين الذين اهتموا بمنطقة بلاد الجزيرة والتي حظيت بحيز واسع من كتابه ، وهذا ما دفعه إلى اختيار دراسة الجوانب الاقتصادية والثقافية في بلاد الجزيرة من خلال كتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي ، وذلك لاحتوائه على مادة اقتصادية وثقافية مهمة تناولها هذا السفر القيم ، فقد وجد الباحث فيه ثروة كبيرة من المعلومات الاقتصادية والثقافية التي يحتاجها القارئ والمهتم في تغطية تلك الفترة ، وقد رغب الباحث أيضا في اختيار هذين الجانبين لعدم وجود دراسة عنيت بالناحية الاقتصادية والثقافية في كتاب معجم البلدان ، الذي يعد موسوعة غنية بالمعلومات ، فلم يكتف ياقوت الحموي بذكر المدن والبلدان والمعلومات الجغرافية فحسب بل تطرق إلى الحياة الاجتماعية والعلمية والثقافية ، مما يبين مدى مساهمة إقليم الجزيرة في النهضة الاقتصادية والثقافية عند المسلمين.
قسم الباحث دراسته إلى أربعة فصول ، فضلاً عن المقدمة والخاتمة والملاحق. إذ تناول الفصل الأول حياة ياقوت الحموي و نتاجاته ومنهجه في كتاب معجم البلدان ودوافعه في تأليف هذا المعجم ، فضلاً عن مصادر ياقوت الأخرى عن بلاد الجزيرة. وعالج الفصل الثاني موقع إقليم الجزيرة وجغرافيته و تقسيمات البلدانيين المسلمين وآراءهم حول بيان حدود الجزيرة وأهم المدن والمظاهر المعمارية المهمة في هذا الإقليم و طوبوغرافيته من الجبال والتربة والمناخ والموارد المائية.
وخصص الباحث الفصل الثالث للحديث عن المعطيات الاقتصادية في بلاد الجزيرة و يتضمن ثلاثة مباحث ، فقد تناول المبحث الأول الزراعة و أهم المحاصيل الزراعية فضلاَ عن الثروة الحيوانية ، وأسباب انتشار الزراعة في الجزيرة مثل خصوبة الأرض وتوفر مياه الري والمناخ المعتدل . و تناول المبحث الثاني الصناعة و أهم المصنوعات التي أنتجت في الإقليم من الصناعات الزراعية والمعدنية والحيوانية ، فضلاَ عن الصناعات الأخرى ، وكان وجود الخبرات الفنية و وجود الحرفيين المهرة سببا في قيام تلك الصناعات . وتناول المبحث الثالث التجارة و أهم المواد المتاجر بها داخلياً و خارجياَ وذلك عن طريق تصدير المواد الفائضة و استيراد المواد التي تفتقر إليها المنطقة ، مع ذكر الأسواق و أهم المدن المشهورة بها ، وكذلك الطرق والمواصلات البرية والنهرية و أهم الصادرات والواردات لإقليم الجزيرة.
فيما تحدث الباحث في الفصل الرابع عن المعطيات الثقافية والعلمية في بلاد الجزيرة ، من خلال ثلاثة مباحث أيضاً.خُصص المبحث الأول لدراسة عوامل ازدهار الحركة الثقافية والعلمية في الجزيرة المتمثلة بالموقع والمناخ المتعلقين بهذا المجال ، وكذلك دور الدين الإسلامي الحنيف في ظهور العلوم والمعارف ولاسيما العلوم الشرعية ، ودور الرحلات العلمية في ازدهار الحركة العلمية والثقافية في الجزيرة ،ودور السلطات المحلية في إغناء الحياة العلمية والثقافية . وجاء المبحث الثاني ليتناول دور المؤسسات والمراكز التعليمية والثقافية في الجزيرة ، والتي تعد الركيزة الأساسية للحياة العلمية ، ولاسيما المساجد والمدارس و دور الحديث إلى جانب الربط والخانقاهات والأديرة .فيما كان اهتمام المبحث الأخير من الفصل الرابع بالميادين العلمية التي تضم العلوم الدينية والشرعية والعلوم اللسانية والعلوم العقلية فضلاً عن العلوم الأخرى كعلم التأريخ ، وكان لعلماء الجزيرة دور مهم في تلك المجالات إذ نبغ فيها علماء اهتموا بكل جانب من جوانب تلك الحقول المختلفة فضلا عن مصنفاتهم فيها.
ولقد توصل الباحث من خلال دراسته إلى جملة من النتائج يمكن إجمالها بالنقاط التالية : -
1- إن كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي من المصادر التي لا يمكن الاستغناء عنها لأي باحث في مجال التاريخ الإسلامي لغزارة مادته وتنوعها في شتى مفردات الحضارة الإسلامية في الحقبة التي عاشها هذا العالم الجليل وكان لإقليم الجزيرة في سفره القيم (معجم البلدان) مساحة لا يستهان بها ، أشار فيها إلى مدنه وقراه ومساجده وكنائسه ودياراته وعلمائه وفقهائه وأدبائه.
2- استعان ياقوت الحموي بمصادر كثيرة و متنوعة في هذا الكتاب و نقل المعلومات بأمانة علمية وبشكل دقيق كما عرض آراء مختلفة في المعلومة الواحدة أحيانا, و يعرض رأيه في هذا الموضوع، كما عرض ياقوت الحموي في كتابه ( معجم البلدان ) آراءه و مشاهداته الشخصية للمناطق التي زارها ودوَّن معلوماته القائمة على المشاهدة الشخصية عنها.
3- توقف ياقوت الحموي عند الحركة الاقتصادية وعمل على تغطيتها تغطية تكاد تكون كاملة ، ذاكرا أنواع المحاصيل الزراعية و الصناعية و الطرق التجارية.
4- كما توقف ياقوت الحموي عند الحركة الثقافية و العلمية التي كانت سائدة في الجزيرة ، و كذلك تناول المدارس و المساجد و الربط والمناطق التي كان يتلقى فيها الراغبون بالعلم للمعارف المختلفة.
5- من خلال دراسة الباحث للمعطيات الاقتصادية في إقليم الجزيرة من خلال كتاب معجم البلدان وجد أن الظروف المناخية و الطبيعية للإقليم أثرت تأثيراً مباشراً في كثرة منتجاته الزراعية إذ اشتهرت أكثر مدن الجزيرة بأجود المنتجات و المحاصيل و افخر الصناعات ، كذلك كانت الحركة التجارية نشطة ومن خلالها ربطت المنطقة بأغلب الأقاليم الأخرى ، عن طريق تصدير المواد الفائضة و استيراد المواد التي تفتقر إليها المنطقة ، وبما أن الزراعة كانت العمود الفقري لاقتصاد الإقليم نجد أن منتجاته سواء النباتية أو الحيوانية هي الغالبة على صادرات المنطقة ، لوجود الكثير من الأسواق التجارية التي سهلت العملية التجارية و أعطتها حرية واسعة في الحركة والانتشار.
6- لاحظ الباحث من خلال دراسته للحركة الثقافية و العلمية في بلاد الجزيرة أن جهود أهل الجزيرة العلمية و الثقافية كانت جهوداً عظيمة ومكملة لجهود العلماء في البلدان الأخرى و كان للأمراء من حكامهم دور في ازدهار هذه الحركة من خلال الأساليب المتنوعة التي ابتدعوها في دعم هذا الجانب و التي كان من أهمها بناء المؤسسات التعليمية و تقريب العلماء.كما ظهر عدد كبير من العلماء في الجزيرة كان لهم اهتمام واسع بالعلوم الدينية والعلوم اللغوية فضلا عن العلوم العقلية و يتضح ذلك من خلال مصنفاتهم الكثيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق