قراءة في أطروحة الدكتوراه
(ريف الموصل في العصر العباسي من القرن الرابع إلى منتصف القرن السابع للهجرة - دراسة سياسية / حضارية )
لجارية شكري رمضان رسول الكوراني
عرض :د.محمد نزار الدباغ
تعد مناطق ريف الموصل من بما تحويه من مدن وقرى مصدراً هاماً لدراسة تاريخ الموصل وبالرغم من وجود بعض الدراسات التاريخية على صعيد البحوث العلمية التي تكلمت عن بعض مدن وقرى ريف الموصل وخصوصاً في القرون المتأخرة وتحديداً ما بعد القرن (6هـ/12م) سواء ما كان منها يتعلق بالجانب السياسي والحضاري ، إلا أننا لم نجد دراسة مستقلة تناولت ريف الموصل جامعة للجانبين السياسي والحضاري ، وهذا ما دفع الباحثة جارية شكري رمضان رسول الكوراني إلى اختيار هذا الموضوع ليكون جزءاً من أطروحتها للدكتوراه والمعنونة ﺒ(ريف الموصل في العصر العباسي من القرن الرابع إلى منتصف القرن السابع للهجرة - دراسة سياسية / حضارية) والتي قدمتها إلى قسم التاريخ ، كلية الآداب ، جامعة الموصل ، وتم مناقشة محتوياتها في سنة 2006 وبإشراف الدكتور عبد الجبار حامد احمد .
وذكرت الباحثة أن الذي دفعها إلى اختيار هذا الموضوع هو عزوف الباحثين عن دراسة مناطق الريف بسبب قلة المعلومات الواردة عنه ، والغموض الذي اكتنف بعض الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالمناطق الريفية , فضلاً عن ذلك فقد كان التركيز على المدينة أكثر من الريف ، لوفرة المعلومات عنها . لذلك فإن ريف الموصل لم يأخذ نصيبه من الدراسة كما أخذته مدينة الموصل نفسها .
وقامت الباحثة بتقسيم البحث إلى مقدمة ، وخمسة فصول وخاتمة ، ثم قائمة بالمصادر والمراجع . وشمل الفصل الأول المعالم الجغرافية لريف الموصل ، فضلاً عن بيان أبرز تلك المعالم ومدى تأثيرها في البيئة والسكان ، كما شمل الفصل دراسة للتنظيم الإداري في الريف مع ذكر أبرز المناطق الريفية التي كانت تابعة للموصل في مدة البحث .
وتناولت الباحثة في الفصل الثاني الأوضاع السياسية لريف الموصل ، فقد تم توضيح ذلك ، ابتداءاً من حكم الدولة الحمدانية والعقيلية وسيطرة السلاجقة ، ثم مجيء عماد الدين زنكي الذي شمل حكمه مناطق واسعة من ريف الموصل ، فضلا عن سيطرته على مناطق بعيدة عن ريف الموصل ، التي كانت آنذاك تابعة إدارياً للموصل على الرغم من أنها كانت مناطق عامرة ، تمثل مدناً لها كيانها كمدينة ( اربل ونصيبين وتكريت وجزيرة ابن عمر وغيرها من المدن ) . كما تم توضيح دور بدر الدين لؤلؤ وسياسته في مناطق ريف الموصل حتى إستيلاء المغول على الموصل وريفها سنة (660هـ/ 1260م) كما تناول هذا الفصل جملة من الأحداث السياسية التي شكّلَ ريف الموصل مسرحاً لها ، إذ أدت إلى تعرضه لسيطرة حكومات مختلفة ، فضلاً عما أصابه من تدهور في الوضع وفقدان الأمن وشعور الفلاحين بالقلق والخوف على أراضيهم إلى جانب هجرتهم ، وترك أراضيهم بسبب إختلاف سياسة الأمراء ، والحروب المستمرة.
أما الفصل الثالث فقد عني بالحياة الاجتماعية موضحاً التركيبة الاجتماعية لسكان ريف الموصل إلى جانب ذكر الباحثة أبرز الطوائف الدينية التي عاشت جنباً إلى جنب على الرغم من كل الظروف وهي سمة من سمات مجتمع ريف الموصل منذ القدم ، فضلاً عن ذكر أبرز العادات والتقاليد المشتركة بين الريف والموصل مع الإشارة إلى لغة سكان الريف .
وجاء الفصل الرابع ليوضح الاحوال الاقتصادية لمجتمع ريف الموصل ، وقد شمل ( الزراعة والصناعة والتجارة ) وتأثير كل نمط من الأنماط الاقتصادية في المجتمع . لاسيما أن التنوع كان من أبرز السمات الاقتصادية لريف الموصل من خلال ما نتج من أنواع المحاصيل إلى جانب الثروة الحيوانية ، وأسهم كل ذلك في قيام صناعات متنوعة شجعت على زيادة نشاط التجارة والأسواق ، كما تم توضيح سياسة الأمراء الاقتصادية ، وما قدموه من عناية ورعاية في خدمة الزراعة والصناعة والتجارة ، بوصفها عوامل حفزت المجتمع على الاستقرار في الريف ، كما لا يخلو الفصل من ذكر الموارد المعدنية التي لعبت دوراً في تنشيط الصناعة والتجارة .
أما الفصل الخامس فقد عني بطبيعة النشاط العلمي اعتمادا على وجود المؤسسات التعليمية من مساجد ومكتبات وربط وزوايا ، لاسيما أن الريف الموصلي لم يخلُ من تلك المؤسسات على الرغم من أن المعلومات جاءت قليلة نسبياً مقارنة بمدينة ( الموصل ) ، ويدخل ضمن الفصل أيضاً الحديث عن أبرز العلوم والعلماء الذين برعوا فيها ، وما قدموه من تصانيف في المجالات العلمية المتنوعة ، التي شهدت رعاية وعناية ودعماً كبيراً من الأمراء وبمختلف الفترات .
واعتمدت الباحثة في دراستها على جملة من المصادر الأولية المخطوطة والمنشورة ، وعدداً من المراجع العربية والمعربة والرسائل الجامعية والبحوث العلمية ، وقد قدمت تلك الكتب والبحوث مجتمعة معلومات قيمَة عكست صورة ريف الموصل ، ومما يميز هذه الأطروحة أن الباحثة عرجت على تناول بعض المصادر والمراجع التي يعد البعض منها نادراً والبعض الآخر ربما حصلت عليه عن طريق المراسلة البريدية ويبلغ عدده اثني عشر كتاباً وبحثاً والذي عزز من قيمة وقوة هذه الدراسة ونذكر من هذه المصادر والمراجع كتاب (نزهة القلوب)،لابن أبي بكر محمد حمد الله المستوفي ( مجهول الوفاة) وهو من المصادر الفارسية المهمة التي قدمت معلومات جغرافية واقتصادية عن ريف الموصل ، ومن المصادر والمراجع السريانية التي قدمت مادة مهمة عن ريف الموصل نذكر (تاريخ إيليا برشينايا ) لإيليا برشينانا ، فضلا عن كتاب (ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة والسريان) لبطرس نصري الكلداني ، وكلا الكتابين من المصادر قديمة الطبع ويعدان بحكم النادرين ، زيادة على بحث (قرى النصارى ) ، المنشور في مجلة لسان المشرق العدد الأول ، السنة الأولى ، بيروت : 1949م مصدر بقلم بولص بهنام ، وأخيرا (الحياة الاجتماعية والاقتصادية القبلية في المقاطعات الوسطى والجنوبية وفي لواء الموصل) ، وهو تقرير قدم إلى جمعية الدراسات الاجتماعية جامعة الموصل ،( الموصل : 1954م) ولا نعلم مصير هذا التقرير المهم الذي يسلط الضوء على حياة سكان الريف في الموصل من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وتوصلت الباحثة في نهاية دراستها إلى مجموعة من النتائج يمكن إجمالها بما يلي :-
* ضمت الموصل عدداً من الأعمال ( الأرياف ) اختلفت بعضها عن بعض من حيث المساحة والحجم السكاني فكان البعض منها صغيراً ومعالمها غير واضحة ، والبعض الآخر كبيراً ترتبط به عدد من القرى والنواحي .
* إن التنظيم الإداري لريف الموصل كان يتسم بتولي الأمراء في تلك المناطق إلى جانب المسئولين على أمرها في كل وحدة إدارية من أجل تحقيق نوع من التوازن الإداري والقضاء على الظواهر السلبية التي قد تسبب إرباكا واضطراباً لأمن المركز ( الموصل ) ، فطبيعة التنظيم الإداري والمؤسسات التي وجدت في مناطق ريف الموصل سواءً كانت مؤسسات حديثة فرضتها الأوضاع ( السياسية والاجتماعية والاقتصادية ) أم موجودة سابقاً هدفها تنظيم الأوضاع وتحقيق الاستقرار للمجتمع والدولة الحاكمة .
* لاشك بأَن العوامل السياسية ، قد أثرت في الأوضاع الأخرى ، كما أنها أدت في كثير من الأحيان إلى تعرض الأرياف إلى هجمات البدو والقوى الأجنبية ، مما شكل بإستمرار زيادة مخاوف الفلاحين وقلقهم من المصائب التي قد تلحق بهم وباراضيهم الزراعية ، مما يؤدي إلى زيادة الغلاء وفرض ضرائب جديدة على الأراضي الزراعية ، وبالتالي يخلق نوعاً من التذمر وعدم الاستقرار فيكون دافعاً إلى ترك الفلاحين لأراضيهم والهجرة إلى مناطق أكثر أمناً وإستقراراً . كما شهدت المدة - موضوعة البحث - حوادث سياسية كثيرة كان لها تأثير على ريف الموصل ، مثلما كان لها تأثير على الموصل نفسها ؛ بسبب الترابط والولاء بين الخلافة والموصل وريفها .
* إن الظروف السياسية أدت إلى إنفصال عدد من المناطق التي كانت تابعة أدارياً للموصل ولفترات زمنية متوالية وكونت لها حكماً مستقلاً عن حكم أمراء الموصل على الرغم من أن البعض منها كان يدين بالولاء لحكام الموصل .
* شهد ريف الموصل في عهد الدولة الحمدانية تطوراً في الجانب الاقتصادي مما كان له تأثيرٌ على ثرائه وعمرانه وتوسع تجارته . في حين شهد تأخراً نسبياً في زمن الدولة العقيلية بسبب النزاع بين أفراد الأسرة الحاكمة على السلطة ، وزاد الاضطراب أثناء سيطرة السلاجقة على الموصل مما أسهم في هجرة سكان ريف الموصل وتأخر الاقتصاد . وكان حكم الأتابكة للموصل وريفها يعد من أكثر الفترات ازدهاراً وتطوراً في المجالات كافة .
* إن مجتمع ريف الموصل وتنوعه سواء من حيث وجود القبائل ( العربية والكردية والتركمانية وغيرها ) أم الطوائف الدينية ( المسلمين والنصارى وغيرهما ) كان مجتمعاً مستقراً وشكّل منذ القدم وحدة اجتماعية متآلفة ولم يكن ذلك التنوع في يوم ما عائقاً أمام مسيرة حياة الناس في العطاء والتقدم في جميع المجالات .
* العلاقة بين الموصل وريفها علاقة تربطها روابط القرابة والمصالح المشتركة ، فكان أحدهما مكملاً للآخر .
* أسهم ريف الموصل بنشاط الحركة التجارية بحكم وقوع بعض مناطقه على الطريق التجاري الذي يربط الموصل بالبلدان الأخرى ، وكذلك إسهامه بتصدير ما ينتجه من الزراعة والثروة الحيوانية .
* إن الزراعة والثروة الحيوانية أهم ما يعول عليه المجتمع في ريف الموصل ، وقد شكلا مورداً اقتصادياً مهماً للدولة ، على الرغم من أن بعض الأمراء أتبع سياسة إقتصادية أثقلت كاهل الفلاحين .
* كان لبعض مناطق ريف الموصل نشاط علمي تمثل بوجود مؤسسات تعليمية ساعدت على نشر الوعي والعلوم بين الناس ، ووجود الشيوخ والطلاب الذين أسهموا بتطور الكثير من العلوم المتنوعة كاللغة والأدب والتاريخ فضلاً عن العلوم الدينية ، كما كان للبعض منهم تصانيف ومؤلفات أسهمت بتطور المعرفة العلمية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق