قال ابن بطوطة في رحلته :
مدينة الموصل
وهي مدينة عتيقة كثيرة الخصب وقلعتها المعروفة بالحدباء عظيمة الشأن شهيرة الامتناع عليها سور محكم البناء مشيد البروج وتتصل بها دور السلطان وقد فصل بينها وبين البلد شارع متسع مستطيل من أعلى البلد إلى أسفله وعلى البلد سوران اثنان وثيقان أبراجهما كثيرة متقاربة وفي باطن السور بيوت بعضها على بعض مستديرة بجداره قد تمكن فتحها فيه لسعته ولم أر في أسوار البلاد مثله إلا السور الذي على مدينة دهلي حضرة ملك الهند. وللموصل ربض كبير فيه الجوامع والحمامات والفنادق والأسواق وبه مسجد جامع على شط الدجلة تدور به شبابيك حديد وتتصل به مساطب تشرف على دجلة في النهاية من الحسن والإتقان وامامه مارستان وبداخل المدينة جامعان أحدهما قديم والآخر حديث وفي صحن الحديث منهما قبة في داخلها خصة رخام مثمنة مرتفعة على سارية رخام يخرج منها الماء بقوة وانزعاج فيرتفع مقدار القامة ثم ينعكس فيكون له مرأى حسن. وقيسارية الموصل مليحة لها أبواب حديد ويدور بها دكاكين وبيوت بعضها فوق بعض متقنة البناء. وبهذه المدينة مشهد جرجيس النبي عليه السلام وعليه مسجد والقبر في زاوية منه عن يمين الداخل إليه وهو فيما بين الجامع الجديد وباب الجسر وقد حصلت لنا زيارته والصلاة بمسجده والحمد لله تعالى وهنالك تل يونس عليه السلام وعلى نحو ميل منه العين المنسوبة إليه يقال انه أمر قومه بالتطهر فيها ثم صعدوا التل ودعا ودعوا فكشف الله عنهم العذاب وبمقربة منه قرية كبيرة يقرب منها خراب يقال أنه موضع المدينة المعروفة بنينوى مدينة يونس عليه السلام وأثر السور المحيط بها ظاهر ومواضع الأبواب التي هي متبينة. وفي التل بناء عظيم ورباط فيه بيوت كثيرة ومقاصر ومطاهر وسقايات يضم الجميع باب واحد، وفي وسط الرباط بيت عليه ستر حرير وله باب مرصع يقال انه الموضع الذي به موقف يونس عليه السلام ومحراب المسجد الذي بهذا الرباط يقال انه كان بيت متعبده عليه السلام. وأهل الموصل يخرجون في كل ليلة جمعة إلى هذا الرباط يتعبدون فيه. وأهل الموصل لهم مكارم أخلاق ولين كلام وفضيلة ومحبة في الغريب وإقبال عليه وكان أميرها حين قدومي عليها السيد الشريف الفاضل علاء الدين علي بن شمس الدين محمد الملقب بحيدر وهو من الكرماء الفضلاء أنزلني بداره وأجرى علي الانفاق مدة مقامي عنده وله الصدقات والإيثار المعروف.
وكان السلطان أبو سعيد يعظمه وفوض إليه أمر هذه المدينة وما يليها ويركب في موكب عظيم من مماليكه وأجناده ووجوه أهل المدينة وكبراؤها يأتون للسلام عليه غدوا وعشيا وله شجاعة ومهابة وولده في حين كتب هذا في حضرة فاس مستقر الغرباء ومأوى الفرق ومحط رحال الوفود زادها الله بسعادة أيام مولانا أمير المؤمنين بهجة وإشراقا وحرس أرجاءها ونواحيها.
ابن بطوطة ' تحفة النظار(رحلة ابن بطوطة)،ص111.
الرابط
http://ar.m.wikisource.org/wiki/%D8%AA%D8%AD%D9%81%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D8%B1_%D9%81%D9%8A_%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%B1_%D9%88%D8%B9%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%81%D8%A7%D8%B1_(%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق