الجمعة، 22 أبريل 2011

نبات العاقول من خلال كتاب " الرحلة النباتية " لأبي العباس بن الرومية-إعداد : د.محمد نزار الدباغ

نبات العاقول من خلال كتاب " الرحلة النباتية " لأبي العباس بن الرومية(1)

إعداد : د.محمد نزار الدباغ . مركز دراسات الموصل . جامعة الموصل(2)



          إن موضوع هذه الورقة هو نتاج رحلة مزدوجة الطابع لواحد من أشهر وأعظم علماء المسلمين الأندلسيين في علم النبات والأعشاب الطبية ذلك هو احمد بن محمد بن مفرج الأموي الاشبيلي المكنى بأبي العباس والملقب بابن الرومية والذي كانت ولادته سنة (561هـ/1165م) في شهر محرم من تلك السنة والذي توفي سنة (637هـ/1239م) بين الظهر والعصر من يوم الأحد الموافي (30) ربيع الأول من تلك السنة بأشبيلية .
        وقد عاش هذا الرجل وتثقف وتعلم في مدن مختلفة من بلاد الأندلس وبحكم كونه قد نشأ على يد رجل طبيب تبناه من احد أطباء قرطبة فأن الرجل أبدع بعد جهود خاصة طويلة بدأب دراسي مديد في علمي الحديث النبوي الشريف وعلم النبات الطبي .
        ومن جملة جهوده كانت رحلته ، إذ انه رحل من بلاده عندما قارب عمره على الثالثة والخمسين من العمر للغرض المعروف عند أكثر من رحل من أهل الأندلس وهو الحج إلى بيت الله ، فبعد غرض الحج وهو الأساس لازمه غرض المعرفة وطلب العلم ، إذ أن الرجل أكمل علميه ، في الحديث وفي النبات من خلال رحلته ، وتلك الرحلة في واقعها كانت رحلة بدأت من اشبيلية في الأندلس عبر البر الأندلسي إلى سواحل البحر المتوسط عبورا إلى الشمال الإفريقي بحرا ومنه برا إلى مصر فبيت المقدس نزولا إلى الحجاز فمكة المكرمة ثم صعودا باتجاه شمال شرقي عبر نجد إلى ارض السواد ، العراق ، مرورا بالكوفة ثم حلولا ببغداد ومنها إلى الموصل ثم إلى بلاد الشام وأشهر مدنها بحلب ودمشق نزولا إلى بيت المقدس ثم مصر ثانية فالعودة بحرا من الإسكندرية إلى الأندلس ، وفي الوقت الذي أنجز فهرستا ضخما بأسماء الشيوخ الذين اخذ عنهم الحديث في رحلته فأنه أنجز أيضا ما يعد من أجمل وأندر الرحلات المكتوبة وهو ما عرف ب " الرحلة النباتية " .
        ولقد استغرقت هذه الرحلة ثلاث سنوات (612-615هـ/1215-1218م) ويمتاز خط رحلته هذا على الرغم من انه بشكل عام يشابه خط الرحلة التقليدي الذي سار عليه الأندلسيون في رحلتهم للحج إلى المشرق وخير من وصفه وحدد ملامحه تحديدا دقيقا الرحالة الشهير ابن جبير (578-581هـ/1182-1185م) فأن خط سير ابن الرومية يختلف عن أولئك من حيث التفاصيل لاحتواء رحلته على غرضين دون غرض واحد كما سبق وبينا . فقد كان بالإضافة إلى جمعه للحديث والإجازات عن المشايخ في المدن الشهيرة ومراكز القصبات فأن معرفته عن النبات والأعشاب الطبية كانت تستوجب منه التجوال في الارياف وعلى حواف المدن وفي البراري وفي سواحل البحار أو شطئان الأنهار ، مما زاد في تعرج خط سيره وكثرة تلافيفه وتكسر استقامته وهو مما يستغرق وقتا وتطلب جهدا بالإضافة إلى ما يحتاجه من جمع لملكة إمكانية العيش ما بين أواسط المدن ومراكزها وأطراف الريف والبر والصحراء على تقشف أسلوبها .
        لقد وصلنا من نصوص تلك الرحلة  التي نفترض أن ابن الرومية دون فيها معلومات عن النباتات المنتشرة في الطريق إلى الحج وعودا منه خمسا وثمانون نصا وردت جميعها في ثنايا كتاب تليمذه ابن البيطار(ت:646هـ/1249م) في كتاب " الجامع لمفردات الأدوية والأغذية " .
        وقد انتقينا من بين النباتات والأعشاب التي وصفها ابن الرومية في كتاب رحلته والتي وردت كمنتخبات انتقائية انتقاها ابن البيطار بالحدود التي ناسبت حاجته ، نبات العاقول المنتشر في الموصل ونواحيها كأنموذج للنبات الطبيعي الطبي من خلال نص أورده ابن الرومية بينما كان يتجول في أنحاء الموصل بحثا عن نباتاتها كما انه تحادث مع بعض أهلها بهذا الشأن مثال ذلك ما أورده من حديث عن نبات العاقول إذ قال بالنص : " هو شوك معروف بالمشرق كله ... وهو كثير بالعراق ... وذكر لي بعض أهل الموصل أن عصارته تجلو بياض العين والظلمة عنها وهم يستعملونه أيضا في برودات العين وكثيرا ما ترتعي الإبل بديار مصر العاقول " . ونستشف من النص أن لهذا النبات المنتشر في الموصل فوائد طبية وعلاجية لأمراض كثيرة فزيادة على ما ذكره ابن الرومية من أن عصارة العاقول تستخدم لعلاج ما يسمى عند أهل الموصل " بالماء الأبيض " الذي يمنع الإنسان من الرؤية الجزئية ، فله فائدة أخرى في كونه يستخدم كدواء في تبريد العين والتي أطلق عليها ابن الرومية برودات بفتح الباء ، ويكّون العاقول الغذاء الرئيس للإبل مرد ذلك ما ذكره اللغوي الذائع الصيت الفيروزبادي(ت: 729هـ/) في كتابه " القاموس المحيط" بقوله " ... وعقل البعير أكل العاقول "  ، ويعرف هذا النبات علميا باسم  (Alhagi Graecorum)ولعل هذا الاسم مشتق من كلمة الحاج وهو اسم ثاني لنبات العاقول وهو مما  ذكره اللغوي الشهير ابن سيده (ت:485هـ/م) في كتابه " المخصص" بقوله " والحاج هو الذي تسميه أهل العراق العاقول له شوكة حادة " . وبالعودة إلى نص ابن الرومية نجد اتفاقا مع ما ذكره ابن سيده في ذكر وصف النبات من كونه نبات شوكي فضلا عن كونه نبات عشبي معمر ، وتستخدم جميع أجزاء النبات شربا أو بخورا أو طلاء حتى ولو برد ماؤه لعلاج البواسير كما يستخدم كضمادات لتخفيف الآم البواسير فضلا عن فائدته في علاج الآم الشقيقة ، والمستخلص الذي ينتج عن تبخير مغلي النبات يستعمل كمسكن أو ملطف للحكة وبالخص عند الأطفال . كما له فائدة في علاج الروماتيزم وحالات حصى الكلى وهو مسهل ومطهر للعلاج الهضمي فضلا عن كونه مفيد لإمراض معينة كأمراض القلب والسكري ، كما أن صبغته من انجح الأدوية في علاج ورم المفاصل . ويصل ارتفاع العاقول إلى 60سم ، والزهرة صغيرة حمراء قرمزية تخرج من جوانب الأشواك ، أما الثمرة فهي قرنية داكنة اللون أسفنجية يظهر عليها تخصرات من مواقع البذور . والحق يقال أن لهذا النبات فوائد جمة في كل جزء من أجزاءه مما ذكره ابن الرومية وغيره من خلال زيارته لمدينة الموصل وحديثه عن نبات العاقول المنتشر في أراضيها وهذا يدعونا إلى الاهتمام بالبحث والتقصي عن النباتات المنتشرة في أطراف الموصل وتسجيل فوائدها وطرقة استخدامها من أفواه أهل المدينة من كبار السن لكونهم يمتلكون خزينا معرفيا مما شاهدوه وعاينوه من الطرق التقليدية في العلاج بالنباتات والأعشاب في الماضي القريب ، فضلا عن سؤال أهل العلم والدراية من ذوي الاختصاص في علمي الزراعة والصيدلة فضلا عن العشابين والعطارين الذين لهم التجربة العملية في هذا المجال .
        وختاما فأن كتاب الرحلة النباتية الذي يعكف أ.د.جزيل عبد الجبار الجومرد على إعادة جمع مقتبساته وتحقيقه يمثل في خير أحواله بما يمكن أن نطلق عليه اليوم أطلسا لجغرافية النبات الطبيعي الطبي في البلاد الإسلامية التي جال ابن الرومية فيها . إنها نمط نادر من الرحلة ومن نتاج الرحلة في الأدب العربي ولا تضارعها إلا رحلات لاحقة أتت بعدها بزمن طويل معززة بالتقنيات الحديثة للنقل في العالم الأوربي وخير ما يحضرنا رحلة داروين البحرية في العصر الحديث . 
(1) يقتضي واجب الوفاء ان اتقدم بالشكر العميق لاستاذي الجليل أ.د.جزيل الجومرد لما ابداه من ملاحظات على هذه الورقة .
(2) قدم هذا المقال كجزء من ورقة عمل الى ندوة الطب الشعبي في الموصل التي عقدها مركز دراسات الموصل/جامعة الموصل بتاريخ 12/4/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق