الجمعة، 22 أبريل 2011

قراءة في الموصل في المصادر البلدانية القرن (3-7هـ/9-13م) تقديم د.علي احمد محمد

قراءة في
الموصل في المصادر البلدانية (3-7 هـ/9-13م)
تقديم : د. علي احمد محمد
قدم الباحث /محمد نزار الدباغ /تدريسي وباحث في مركز دراسات الموصل،عمله الموسوم (الموصل في المصادر البلدانية )إلى كلية التربية /قسم التاريخ للحصول على درجة الدكتوراه في فلسفة التاريخ الإسلامي.وبإشراف الأستاذ الدكتور حسين علي الطحطوح و                                                     يعد هذا العمل برأينا ضمن الدراسات المصنفة بعلم الجغرافيا العربية ،كونه اعتمد في دراسته على أهم المصادر البلدانية ذات العلاقة بالموضوع وبما يخص مدينة الموصل بالتحديد فقال:
 إن مدينة الموصل مدينة عريقة بلا شك وعلى الرغم من أننا لا نعلم بالضبط تاريخ بنائها وتشييدها ولا حتى تطورات بنائها الأولى ونموها المبكر، فإن ذلك لم يمنع الدارسين عبر الأجيال من محاولة حدس تاريخ بداياتها وانطلاقاتها الأولى. بل إن غياب جذورها التاريخية في الزمن السحيق كان مبعث احترام أكثر وتعاطف أكبر وسوق متزايد من قبل الدارسين والجغرافيين والرحالة وبخاصة البلدانيين في الحضارة العربية الإسلامية،الذين درسوا هذه المدينة وحاولوا التكهن والاجتهاد والبحث والتنقيب عن بواكير تاريخها ومجمل مسيرتها مع الزمان. ولعل الهدف من اختيار هذا الموضوع هو محاولة إدراك التفاصيل الدقيقة للوضع ألبلداني للمدينة من كافة النواحي الممكنة التي تحدث عنها البلدانيون الذين زاروا المدينة أو سمعوا عنها أو عاصروها للفترة من القرن الثالث – السابع الهجري / التاسع- الثالث عشر الميلادي . وإن ما قصده الباحث بالبلدانيين هم المؤلفون بين جغرافيين ورحالة ممن قدموا توصيفا لجانب من جوانب مدينة الموصل ولأنهما يلتقيان في حقل معرفي واحد يتعلق بعلم البلدان فقد استعمل الباحث تعبير (البلدانيون) . أحتوى البحث على تمهيد وأربعة فصول مع ملحق فضلا عن عدد من الخرائط والأشكال التوضيحية. عالج التمهيد اسم الموصل لغة واصطلاحا، وموقعها الفلكي والجغرافي، ودوافع تأسيسها، فضلا عن الآراء التي ذكرها البلدانيون في سبب تسمية المدينة، وأحوالها قبل الفتح العربي الإسلامي.
وتضمن الفصل الأول قراءة للنصوص البلدانية التي ركزت على وجود بعض حركات الخوارج ضد الخلافة العباسية التي كان معظمها قد مر بالموصل والقضاء عليها من قبل الخلفاء العباسيين فضلا عن مشاهدات بعض البلدانيين للواقع السياسي لمدينة الموصل من خلال زيارتهم لها، وكذلك علاقة حكام المدينة بأهل الموصل وعلمائها. فضلا عن قراءة الواقع الإداري والمالي للمدينة من بيان مقادير الخراج للموصل، ثم الكلام عن كورة نينوى التابعة للموصل وأوصاف البلدانيين لها والتعرض لوظيفة إدارية مهمة وهي نائب قلعة الموصل أو ما يسمى ( بدزدار القلعة) وبيان دوره الإداري.
 أما الفصل الثاني فقد تضمن الكلام عن الحياة الاجتماعية والدينية والعلمية والأدبية في الموصل، من دراسة هواء المدينة وتأثيره على صحة الإنسان زيادة على طبائع أهلها وأخلاقهم وأقسام السكان فضلا عن عادات الزيارة وإقامة النذور في أماكن العبادة كالجوامع والمساجد ولاسيما في المناسبات الدينية مع استعراض عدد من مساهمات العلماء في العلوم المختلفة في الموصل، كالشعر والتاريخ والرياضيات والفلك والكيمياء والنبات والموسيقى.
 وجاء أن الفصل الثالث مركزاً على الأوضاع الاقتصادية، ممثلة بالثروة الزراعية والحيوانية، من ذكر تربة المدينة ومصادر مياهها ومزارعها وأماكن التنزه فيها وما تمتلكه من ثروة حيوانية، والحديث عن صناعاتها من الصناعات المعدنية والحجرية، وصناعة المنتجات الحيوانية، والصناعات الغذائية والنسيجية والمعادن الداخلة في الصناعة، فضلا عن وظائف الأسواق والفنادق والخانات والقيساريات من الناحية الاقتصادية، وبيان الطرق التجارية التي ربطت الموصل مع العديد من الأقاليم والمدن والقرى وذكر المسافات بينها فضلا عن التجارة البرية والنهرية لمدينة الموصل.
 أما الفصل الرابع فقد تطرق إلى تطور المظاهر العمرانية في المدينة وخططها من مباني الإدارة كالقصور، والتحصينات العسكرية من قلعة وما يرتبط بها من أبراج وأسوار وأبواب، ومنشات دينية كالجوامع والمساجد والكنائس والربط، وعلمية كدور الحديث ومكاتب تعليم الصبيان والمدارس وخزائن الكتب، فضلا عن دور السكن ومحلات المدينة وأزقتها وسككها ودروبها وساحاتها. وكذلك مبانيها الخدمية من أسواق وفنادق وحمامات و بيمارستانات [مستشفيات] وجسور، وأخيرا استعراض المقابر وما يتصل بها من ترب ومشاهد ومراقد.
وتأتي أهمية الموضوع من خلال قراءة شهادات من هذا النوع [الشهادات البلدانية] عن مدينة الموصل وربما لو اجتمعت مثل هذه الدراسات في مجملها عن مدن الإسلام لأسهمت في تكوين رؤية شاملة عن المكان وإمكاناته خلال العصر. وما هذه الدراسة إلا لبنة إذا اجتمعت مع نظيراتها من الدراسات البلدانية لأعطت شهادات حول تلك الأوقات.
أما حدود الدراسة المكانية فقد اقتصرت على مدينة الموصل القديمة وما يقابلها على الجانب الشرقي من أطلال نينوى والمناطق القريبة منها، ولا تنسحب الدراسة إلى الكلام عن أعمال ونواحي الموصل في حين أن الحدود الزمانية حددت بين القرن
(3 – 7 ﻫ /9 -13م) وذلك يعود إلى أن ظهور المصنفات البلدانية التي وصلتنا كاملة والتي تعود إلى القرن (3 ﻫ / 9م). وان ما تناقله البلدانيون من نصوص قبل الفترة المتقدمة قد اعتمد بشكل رئيس على المصنفات البلدانية اليونانية.
وللمصادر البلدانية أهمية خاصة، إذ كان لاتساع الدولة العربية الإسلامية أثره في اهتمام العرب بالجغرافية والرحلات لأسباب عدة منها: أن هذا الملك الواسع كانت أنحاؤه المختلفة تتطلب الدراسة والوصف مما دفع بعض الخلفاء والحكام إلى أن يوفدوا مبعوثيهم وسفرائهم إلى البلاد الإسلامية المختلفة لدراسة أحوالها ومعرفة طبائع سكانها وبيان الطرق والمسالك المؤدية إليها، من اجل تسهيل التواصل وتوثيق الروابط بين السلطة المركزية وبين حكام الأقاليم، فضلاً عن أن الإسلام حث على طلب العلم وعلى تجشم العناء في هذا السبيل لذلك كان طلاب العلم يتركون أوطانهم ويسيرون شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، من إقليم إلى آخر يدرسون على مشاهير الأساتذة ويقابلون أعلام الفقهاء. وكان ألوف المسلمين يتوجهون من أطراف العالم الإسلامي إلى الحجاز يحجون بيت الله الحرام ، مما أتاح لبعضهم مشاهدة مناطق وأقطار متعددة تناولوها في الوصف والتحليل فيما رووه أو كتبوه.
واتسع نطاق التجارة العربية فانتشرت قوافل التجار العرب في اغلب أجزاء العالم المعروف آنذاك براً وبحراً وعرفتهم الطرق التجارية ومسالكها فضلاً عن المَيل الغريزي عند العرب للبحث والاطلاع، واتخذ الكثير منهم السياحة والمغامرة وسيلة للدراسة والوقوف على ما في البلاد الأخرى من عجائب وغرائب والحاجة إلى معرفة الطرق الكبرى التي تربط أقاليم الدولة بعضها ببعض وكانوا يطلبون المعلومات لإغراض سياسية وإدارية.
وقد اعتمد الباحث على أهم مصدر في هذا المضمار وهو كتاب الرحالة العربي ابن جبير والذي يعد من أهم  المصادر المتعلقة بالموضوع والتي كانت بمثابة المحور واللولب في تقديم وإتمام صورة المدينة من نواحيها المختلفة من حيث مظاهرها الحضارية وإمكاناتها الجغرافية وطبيعة سكانها، بل وحتى المستوى الروحي للثقافة الدينية لقاطنيها.
وتوصل الباحث إلى حقيقة لا بد من الإشارة إليها وهي  أن بعضا من جوانب المدينة وبخاصة مشاهد الأنبياء ومراقدهم ممن حسب منهم على مدينة الموصل،  كانت موضوع اهتمام من البلدانيين سواءً أكانوا من الرحالة بشكل عام أم  الجغرافيين بشكل خاص، فقدمت لنا بخصوصها مادة ثمينة ومثيرة. ومن الأمور الأكثر أهمية التي أولتها المصادر البلدانية اهتمامها وافرد لها تفاصيل أغنى من التفاصيل التي قدمتها عن غيرها من مرافق المدينة ومظاهرها هو إمكانات المدينة الاقتصادية وبخاصة الزراعية منها، فكان في تفاصيل مادة تلك المصادر ثراء كبيرا مكن من تقديم صورة فيها شيء من الوضوح الذي يطمح الباحث الوصول إليه. وقد خرج الباحث من خلال قراءته النقدية لمجمل مضامين كتب البلدان فيما يتعلق بالموصل، إن تلك الكتب لم تأت متشابهةً في معلوماتها ولا بالضرورة متوازنةً فيما قدمته عن تاريخ المدينة وخططها وكيانها بشكل عام، فكثيراً ما افتقرت تلك المصادر تفاصيل خطط المدينة، بداياتها، وتطوراتها، ونهاياتها. وربما كان بالإمكان أن يعثر الباحث  على الكثير من المواد المتعلقة بمثل هذا الموضوع وخطط المدينة من مصادر أخرى غير المصادر البلدانية، كالكتب التاريخية، من حوليات أو تراجم، وحاول الباحث استنطاق القليل بهذا الشأن من تلك الكتب قدر الإمكان. وفي حالات معينة كان لا بد أن يفيد الباحث من مصادر أخرى غير المصادر البلدانية و بحدود ضيقة جداً لتكتمل الصورة  المطلوبة [كالأدب] لحفظ تكوينات المدينة.
ولا يزعم الباحث إطلاقاً أنه قد استوفي دراسة مادة البلدانيين بخصوص مدينة الموصل، وربما يرى الباحث أنه سوف يكون من المفيد جداً إجراء دراسات إضافية تتناول التوسع في ربط المدينة كمركز سكاني حضاري بمحيطها الريفي وعندئذ ستتكامل الصورة في إطار عمل أكثر توحداً وربما فائدة ووضوحاً في صورة الموصل ليس كمركز سكاني فقط، بل كمحيط زراعي وتجاري وسوق يتفاعل فيه مركز المدينة وأريافها وضياعها.
كما يرى الباحث أنه من خلال ندرة مادة البلدانيين فيما يتعلق ببعض مظاهر المدينة المعمارية والبنائية ما يدعو إلى إكمال عمل أو معلومات أولئك البلدانيين بنتائج  جهود ميدانية في المواقع التي ذكرها البلدانيون لتطوير مادة البلدانيين وتجذ ير العمل الميداني مما يشكل للمرة الثانية وحدةً معرفية مفيدة ومثمرة في إضاءة تاريخ مدينة الموصل بمجملها. وحاولت الدراسة استنباط ما يجعل صورة المدينة واضحة لدى القارئ في سياقات منهجية بالشكل الذي كانت عليه مادة هذه الدراسة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق