ملخص بحث :راوية بربارة: كيف غيّرت الرحلةُ مسارها، وأخذتنا معها نحو أماكن محظورة.عن موقع اكاديمبة القاسمي
راوية بربارة: كيف غيّرت الرحلةُ مسارها، وأخذتنا معها نحو أماكن محظورة ؟
قال النقّاد: "شاعران وطئا أرض مصر، المتنبّي وطئها ورحل عنها، وتميم استقرّ بها"، والشاعر هو الأمير تميم بن المعزّ لدين الله الفاطميّ الذي انطلق في رحلةٍ غريبةٍ في طرديّاته، جعلت محقّقي الديوان والباحثين يقفون عاجزين عن فكّ ألغاز القصيدة وأماكن الرحلة، والمطايا، كاتبين في هوامش دراساتهم "مستغلق القصيدة"، وقد لفتَ انتباهي كباحثة في الشّعر الفاطميّ، أن يكون هذا الشاعر بعظمتِهِ مشتّت الأفكار، يكتب الغريب، يذهب في رحلة صيدٍ، على حصانٍ يحيي الذاكرةَ الشِّعريّةَ الجماعيّةَ لتقودَنا نحوَ مخزونٍ تراثيٍّ جاهليٍّ، ثمّ يشتّتنا بغريب رحلتِهِ، فهو يصف الفارس ناعتًا إيّاه بالمولى الذي يطاول الجوزاء، فما العلاقة بين الفارس والمولى والجوزاء والكرى؟ أسئلة كثيرة تشغلك عن القراءة لغرابة المعاني واستغلاق الفهم، وكلّما تابعتَ كثرَ انشغالُك، فعند وصف عمليّة الصيد، نجد أنّ الفارس لم يصطد إنّما كان شاهدًا على عمليّة صيدٍ غريبةٍ نفّذها أشهبُ جائعٌ بأربعة طيورٍ، أحدها مات، ثمّ ما لبث أن قام وقتل أخاه، فكيف لميّتٍ أن يقوم ويقتلَ؟ ويتساءل المتلقّي: ما علاقة الشّاعر بالقتلى وبالطيور، ما علاقة الله بالباز ولماذا فضّله عن غيره من الطيور؟ وكيف ربط بين القتل والخير؟؟ مثل هذه التساؤلات لا تجد لها إجابة مقنعة على مستوى القراءة الظّاهريّة، بل على العكس، تُدخل القارئ في بلبلة وتساؤلات دون مخرج. ونظنّ كلّما أوغلنا في القراءة، أنّ القصيدة ستكشف لنا عن محاسنها، لكنّنا نجدها تتمنّع أكثر، لتخبرَنا أنّها نُظمت لقارئيْن؛ لقارئ عاديّ غيرِ عارفٍ بأسرارِ التّأويل، ولقارئٍ متخصّص، مستجيب، متلقّ، عارفٍ بأمور الدين. وهكذا نجد أنّ رحلة الشّاعر لم تكن رحلة صيدٍ عاديّة كتلك التي قام بها الشعراء، بل هي رحلةُ عمرٍ، وسيرةٌ ذاتيّة، ورحلةٌ نحو طلب العلم الباطن والدين، لا يستطيع فكّ ألغازها إلّا العارف بأسرار التأويل والعقيدة الفاطميّة والرموز الخفيّة ونظريّة المثل والممثول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق