الأربعاء، 18 أبريل 2012

نسخ وتزويق المخطوطات- مدينة الموصل نموذجا-د.محمد نزار الدباغ


نسخ وتزويق المخطوطات

- مدينة الموصل نموذجا-

د.محمد نزار الدباغ


ترك مصنفو الكتب وبعض الخطاطين المسلمين على مر تاريخنا العربي الإسلامي تراثا جما من نفائس المخطوطات الثمينة ، وهي تمتاز بجودة الخط والتزويق، وفي بعضها صور وزخارف متنوعة ذات ألوان زاهية وطابع متناسق، فضلا عن عدد كبير من الكتب المجلدة بجلود مختلفة الألوان والأنواع والتي تمتاز باختلاف سُمكها ، وعليها الكتابات والنقوش والزخارف الجميلة وكلها تدل على مدى إتقان هذه الحرفة.
وقد  جسد الخطاط والرسام والمزوق العربي الواسطي: يحيى بن محمود(ت:634هـ /1237م) في إحدى منمنماته ، وهي منمنمة بريشته تمثل صورة لأحد المدارس القريبة من مدينة الموصل والتي تمثل وتعكس انطباعاته لبعض أوجه الحياة الاجتماعية والثقافية في عصره (1).
كذلك كان النسخ وسيلة لغرض كسب العيش واتخاذه حرفة للبعض، سواء في مكان ثابت كدكان في سوق، إذ نتلمس ذلك من خلال الطبيب والعشاب والصيدلي العربي ابن الرومية: أحمد بن محمد(ت:637هـ/1239م)(2)، والذي زار الموصل وسجل ملاحظاته عن بعض أنواع الحشائش والنباتات الطبية كنبات العاقول(3) أثناء قيامه برحلته من الأندلس إلى المشرق ثم عاد ليفتح دكانا في أحد أسواق اشبيلية في جنوب غرب الأندلس، لينسخ فيه الكتب ويكسب قوت يومه(4).
وفي أحيان أخرى تكون حرفة نسخ الكتب ثم بيعها كوسيلة لكسب الرزق، خصوصا إذا ما اقترنت بتنقل العالم عموما والرحالة على وجه الخصوص من بلد إلى آخر وهو ما مثله ياقوت الحموي: شهاب الدين أبو عبد لله ياقوت (ت 626هـ/1228) إذ نجده يقوم بنسخ وبيع الكتب ليوفر لنفسه المال الذي أعانه على قيامه بأسفاره وتنقلاته التي جسدها في كتابه (معجم البلدان) والذي ألفه في مدينة الموصل (5).
ويلاحظ أن بعض المصاحف والمخطوطات الثمينة كانت تطعم أغلفتها بالذهب والفضة الزاهية الألوان، إذ ذكر فؤاد سيد انه كان في بيت قاضي الموصل (ممن لم يسه)سنة (660هـ/1262م) مصحف شريف بخط الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وقد طبقوا جلده بالذهب وزوق بعناية فائقة (6).
وفي كتاب مخطوطات الموصل لداؤد الجلبي الموصلي بحث مطول عن المخطوطات التي كانت موجودة في خزائن المدارس الدينية في مساجد وجوامع الموصل، وعند بعض الأسر الموصلية المعروفة والتي لم تزل باقية إلى اليوم لتشهد على ما في الموصل من درر المخطوطات التي تمتاز بجمال خطها وتجليدها وزخارفها(7 ).

 هـوامش المقال

(1) ناهدة عبد الفتاح النعيمي ، مقامات الحريري المصورة ،( بغداد ، دار الرشيد للنشر ،1979 ) ص319؛ محمد نزار الدباغ ، المشرق العربي الإسلامي من خلال رحلة ابن جبير – الأحوال السياسية والعمرانية – (578-581هـ/1182-1185م)، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية التربية ، جامعة الموصل ، 2001،ص235.
(2) جزيل عبد الجبار الجومرد ، " أبو العباس بن الرومية عالم الأعشاب والنباتات الطبية : حياته وتراثه (560-637هـ/1165-1239م)"، مجلة آداب الرافدين ، جامعة الموصل ، العدد 24،1992، ص502.
(3)ضياء الدين عبد الله بن احمد بن البيطار ، الجامع لمفردات الأدوية والأغذية ، (بغداد ، مكتبة المثنى ، د.ت) ، ج2 ، ص3 ؛ ألّف ابن الرومية كتاب (الرحلة النباتية) وقد ضاع الكتاب ولم يصلنا منه إلا بعض الاقتباسات التي نقلها تلميذه ابن البيطار في كتابه (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية) ويعكف الأستاذ الدكتور جزيل عبد الجبار الجومرد على تأليف كتاب عن " الرحلة النباتية " لأبن الرومية – وهو قيد الإنجاز -. ينظر : الجومرد ، الرحلة النباتية لأبن الرومية . مقدمة الكتاب ( نسخة محفوظة لدى الباحث).
(4)الجومرد ، أبو العباس بن الرومية ، مجلة آداب الرافدين ، ج24 ، ص502.
(5)محمد نزار الدباغ ، " مخطوطات الجغرافيا الإسلامية في كتاب مخطوطات الموصل لداود الجلبي الموصلي – دراسة إحصائية تحليلية –" ، بحث محفوظ في أرشيف مركز دراسات الموصل / جامعة الموصل . وورد اسمه ضمن دليل الخطة السنوية لنشاطات المركز لسنة  2002-2003، ص ؛ وينظر أيضا : مصطفى الشهابي ، الجغرافيون العرب ، ( القاهرة ، دار المعارف بمصر ، 1962)، ص76-78. 
(6) فؤاد سيد ، فهرس المخطوطات المصورة ، ( القاهرة ، معهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية ، 1954 ) ، ص2-3.
(7) داود الجلبي الموصلي ، كتاب مخطوطات الموصل ، ( بغداد ، مطبعة الفرات ، 1364هـ/ 1927م) ، مقدمة الكتاب .







منمنمة  بريشة الواسطي أنجزها سنة :  (634 هـ / 1237م ) تمثل صورة لمدرسة


نقلا عن : النعيمي ، مقامات الحريري المصورة ، ص 319 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق