الاثنين، 16 أبريل 2012

تعقيبات على مقال - ولاية الموصل في كتاب ( جغرافية الممالك العثمانية المصورة ) المطبوع قبل مائة سنة - ترجمة د.محمود الحاج قاسم-مقال بقلم: د.محمد نزار الدباغ


تعقيبات على مقال -  ولاية الموصل في كتاب
( جغرافية الممالك العثمانية المصورة )
المطبوع قبل مائة سنة -  ترجمة د.محمود الحاج قاسم

                                                   د.محمد نزار الدباغ
       تعد المصنفات الجغرافية التي تناولت الحديث عن الدولة العثمانية بشكل عام ، وولاية الموصل بشكل خاص ، من المصادر الغنية بمعلوماتها القيمة كونها تنفرد بنصوص ومادة قد لا نجدها في المصنفات التاريخية ، وسينصب حديثنا في هذا المقال على كتاب هو أشبه بأطلس جغرافي يوضح أقاليم الدولة العثمانية مصحوبا بالشرح على أحوال كل ولاية من ولاياتها ومنها ولاية الموصل . والكتاب الذي نحن بصدد الكلام عنه في جزء منه بما يتعلق بالموصل في زمن الدولة العثمانية كان الأستاذ الفاضل الدكتور محمود الحاج قاسم قد تفضل بكتابة مقال قيم عنه كون الكتاب هو من مقتنيات والده ، والحق يقال ان مقال الدكتور محمود الحاج قاسم هو مقال فريد في بابه كونه سلط لنا الضوء على هذا المُؤَلَف الثر بمعلوماته فضلا عن التعريف به ، وتحدث بشيء من التفصيل عن ما ترجمه من مادة تتعلق بولاية الموصل من جميع نواحيها ، حيث أن الكتاب مطبوع باللغة التركية ، ويعد من أوائل الكتب التي دُرِّست في المدارس الإعدادية في الموصل ، وتنبع أهمية هذا الكتاب من انه يزدان بالخرائط الملونة عن أقاليم الدولة العثمانية ، زيادة على انه يعد من أوائل الآثار المطبوعة في العراق التي اهتمت بالجانب الجغرافي ، فهو بادرة طيبة من الدكتور محمود الحاج قاسم الذي عرّفنا بهذا الإرث الجميل من كتب والده ليطلعنا على أخبار ولاية الموصل في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .
       وتعقيبا على ما نشره الدكتور محمود الحاج قاسم في مقاله المترجم تحت عنوان : (ولاية الموصل في كتاب جغرافية الممالك العثمانية المصورة المطبوع قبل مائة سنة) ، فتبادر إلى ذهني كتابة بعض التوضيحات والتعقيبات حول هذا المقال المفيد والتي لا تقلل أبدا من الجهد الذي بذله الدكتور محمود الحاج قاسم في ترجمته لما يتعلق بولاية الموصل ، بالقدر الذي يتعلق بتخصصي في مجال الجغرافيا والبلدان وتحديدا ما يتعلق بالموصل ، إذ وردت بعض المفردات في المقال المترجم كان لابد من توضيحها والوقوف عندها لكي تكتمل الصورة للقارئ.
       ورد في الترجمة الخاصة بعنوان الكتاب ما نصه " جغرافية الممالك العثمانية المصورة " ، وبالعودة للعنوان المكتوب على غلاف الكتاب باللغة التركية وجدنا أن ترجمة عنوان الكتاب هي كآلاتي : ( الخرائط الجغرافية المصورة للممالك العثمانية ) (1) . وجاء في نفس النص كلمة " جغرافية " بالتاء المربوطة ، وبالعودة إلى نفس الكلمة في ورقة الغلاف عن الأصل التركي نجدها " جغرافيا سي " أي بحرف الألف وليس بالتاء ، مرد ذلك أن كلمة ( جغرافية ) بالتاء المربوطة في اللغة العربية هي مفردة حديثة العهد قياسا بنفس الكلمة المكتوبة بالألف أي (جغرافيا) ذات الأصل الإغريقي من كلمة (Geographica)
والمُؤَلفة من شقين ، الأول : Geo ويعني الأرض ، والثاني : Graphica ويعني الوصف أو الصورة ، وعلى هذا الأساس فالجغرافيا هي وصف الأرض (2) إذ وردت كلمة ( جغرافيا ) لأول مرة عند الجغرافي والفلكي الإغريقي كلاوديوس بتوليمايوس القلوذي ( ت : 161 م ) والمعروف ببطليموس ( 3 )  في كتابه ( كتاب جغرافيا في المعمور وصفة الأرض ) (4) .
       وورد في ترجمة المقال كلمة " المدارس الرشدية " ، وهي المدارس الرسمية التي قامت الدولة العثمانية بافتتاحها  وفق القوانين الصادرة عن نظارة (وزارة) المعارف في استانبول وقد أعطتها الأولوية عن المدارس الابتدائية تاركة الأخيرة تعمل وفق تعليمات المؤسسات الدينية القديمة والمتمثلة بالكتاتيب ، وفيما يتعلق بولاية الموصل فقد افتتحت أول مدرسة رشدية سنة 1890 م ، وبلغ مجموع ما فتح من هذه المدارس في ولاية الموصل ، أربعة عشر مدرسة رشدية خمسة منها كانت في لواء مدينة الموصل أما البقية فقد توزعت على الاقضية والنواحي التابعة لها ، وكانت هذه المدارس تقبل خريجي الدراسة الابتدائية ، فضلا عن أن اللغة الرسمية للتدريس فيها كانت اللغة التركية ، وتوزعت الدراسة فيها على ثلاثة صفوف ثم أضيف صف رابع ،  أما عن مناهج الدراسة في هذه المدارس فاشتملت على دراسة عدد من المواد من بينها مبادئ العلوم الدينية وقواعد العربية وعلم الحساب وأصول مسك الدفاتر والرسم ومبادئ الهندسة والتاريخ العام ، والتاريخ العثماني والرياضة والجغرافية (5) .
       وجاء أيضا في المقال المذكور اسم " شركة قومانديت " والتي تولت طبع الكتاب الذي تحدث عنه الدكتور محمود الحاج قاسم، وما نود أن نوضحه هنا أن شركة القومانديت حسب قانون التجارة العثماني هي عبارة عن وجود شريك أو شركاء متعددين مسئولين متكافلين من جهة أو عبارة
عن وجود شريك أو شركاء متعددين يضعون رأس مالهم فقط وهم المعبر عنهم بقومنديتور أي صاحب راس المال وشريك الوصاية ولهذه
الشركة عنوان آخر مشترك وهو أن تكون باسم احد الشركاء أو أكثر من أولئك الشركاء المتكافلين المسئولين( 6).
       وذكر الدكتور محمود الحاج قاسم  في مقاله المترجم ان الكلام عن ولاية الموصل يقع في الصفحات 123-124 ، وبالرجوع الى المادة المتعلقة بولاية الموصل عن الأصل المكتوب باللغة التركية في الكتاب نجد الكلام عن ولاية الموصل جاء في الصفحات 125-126 ( 7) .
       وورد ضمن الحديث عن حدود ولاية الموصل الكلام عن " جبل بوز " ، دون أن نجد في الترجمة ما يشير إلى موقعه باستثناء أن أعلى قمة فيه يبلغ ارتفاعها 3000 متر وانه يقع على حدود إيران ، وربما أن الإشارة إلى موقعه لم يأتي مُؤَلِف الكتاب على ذكرها مكتفيا بما ذكره عن هذا الجبل ، وفي الحقيقة هناك رأيين حول موقع هذا الجبل منها انه يقع في أقصى جنوب تركيا ضمن سلسلة جبال طوروس في إقليم كاريا تحت اسم (بوز داغ)  ويبلغ ارتفاعه 3000 قدم او 1000م ، وهنا نجد وجها للشبه في ارتفاع الجبل ( رقما) بين ما ذكره الدكتور محمود الحاج قاسم والرأي الأول على الرغم من اختلاف الموقع وعدم اتفاق في ارتفاع الجبل في وحدة قياس المسافات بين المتر أو القدم مما لا نجد له تعليلا شافيا (8) ، أما الرأي الثاني هو أن جبل بوز أو ما يسمى (بوز اتا داغ) اسم لجبل واحد ويقع في جمهورية قرغزستان المحاذية للصين وهذا الجبل معروف في تاريخ الحروب بين الترك والصين في العصور الغابرة (9) والحقيقة أن الرأيين اللذين طرحناهما هما لبيان وجه الشبه مع ما أورده الدكتور محمود الحاج قاسم في مقاله المترجم ، وربما أن هناك جبلا ثالثا غير الجبلين اللذين ذكرناهما في الرأيين المطروحين يقع ضمن الحدود الغربية لإيران بأسم جبل بوز والذي يعني جبل الثلج (الجليد ) مما نقله لنا مؤلف الكتاب التركي ( ابن النزهت جواد ) ، وترجمه الدكتور محمود الحاج قاسم وهو الأرجح والأقرب للصواب .
       وأشار الدكتور محمود الحاج قاسم في ترجمته إلى وجود مملحة مشهورة في براري قرية " يره واره "  وتوضيحنا هنا أن هذه القرية لا زالت تعرف بنفس الاسم إلى الوقت الحاضر وهي تقع في ناحية (الگوير) على طريق الموصل – اربيل ويسكن القرية أبناء الطائفة الايزيدية (10) .
       وأخيرا وردة كلمة " مزبورة " عند الحديث عن الأقسام الإدارية لولاية الموصل بنص العبارة التالية : " أقسامها الإدارية : ولاية مزبورة تقسم إلى ثلاثة ألوية هي ( موصل ، شهرزور ، سليمانية ) " ، واصل كلمة (مزبورة ) ربما جاءت من كلمة الزبور تصديقا لقوله تعالى {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (11) والزبور بضم الزاي حيث كان ، بمعنى : جمع زبور ، أي آتينا داود كتبا وصحفا مزبورة، أي : مكتوبة(12) ، وقد تعني التجميع أو التكيس إذ أن كلمة مزبورة عند العرب جاءت من تزبير الحلال ( الإبل ) أي جمعه وتكديسه (13) وبالإجمال فربما أن المقصود من كلمة  " ولاية مزبورة " أن الموصل كانت ولاية قد أضيفت إليها مدن من خارج ولايتها وزبرت معها فأطلق عليها ولاية مزبورة أي الولاية المُجَّمَعة التي تجمع الألوية والمدن .ونحن نعلم أن التقسيمات الإدارية العثمانية لم تكن ثابتة إذ كانت حدود الولايات والألوية والاقضية والمدن عرضة للتعديلات والتبدلات بشكل دائم (14) وربما هذا ما ينطبق على ولاية الموصل.
      

    هوامش المقال
(1) راجع صورة غلاف الكتاب في آخر المقال . ويقدم الباحث شكره للدكتور هشام سوادي ، التدريسي في قسم التاريخ ، كلية التربية ، جامعة الموصل لتفضله بمساعدتي على ترجمة عنوان الكتاب من التركية إلى العربية .
(2) ينظر : مادة ( جغرافيا ) في الموسوعة الحرة ( ويكابيديا ) على الموقع الالكتروني : www.ar.wikipedia.org
(3) ينظر : مادة ( كلاوديوس بطليموس) في الموسوعة الحرة ( ويكابيديا ) على الموقع الالكتروني : www.ar.wikipedia.org
(4) أ. د محمد محمود السرياني ، حقيقة كتاب " جغرافيا " لبطليموس وأثره في الفكر الجغرافي العربي ، بحث مقدم للمؤتمر السنوي الثامن والعشرين لتاريخ العلوم عند العرب المنعقد في معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب خلال الفترة من 25 – 27 حزيران 2007 م ، ص 4 (رقمي).
(5) د. علياء محمد ، المدارس الرشدية في العراق ، دراسة منشورة في جريدة المدى ، على الموقع الالكتروني : www.almadapaper.net
(6) قانون التجارة العثماني ، دراسة منشورة على الموقع الالكتروني : www.shaimaaatalla.com/vb/showthread.php?t=1098&page=1
(7)    راجع صورة المادة المتعلقة بولاية الموصل المكتوبة باللغة التركية في آخر المقال.
(8) ينظر : مادة كاريا (إقليم) ، في الموسوعة الحرة ( ويكابيديا ) على الموقع الالكتروني : www.ar.wikipedia.org ، وعن موقع إقليم كاريا راجع الخريطة في آخر البحث .
(9)    ينظر الموقع الالكتروني : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=176454
(10)                     مقابلة مع السيد بدر محمود ، معلم ، تولد الموصل – 1939 بتاريخ 31/10/2011 .
(11)                     سورة الإسراء ، الآية 55 .
(12)      ينظر الموقع الالكتروني : http://ejabat.google.com/ejabat/thread?tid=278ccf99ded54eac
(13)      ينظر الموقع الالكتروني : www.kuwait-history.net/vb/archive/index.php/t-1387.html
(14)      س.موستراس ، المعجم الجغرافي للامبرطورية العثمانية ، ترجمة : عصام محمد الشحادات ، ( ط 1 ، بيروت ، دار ابن حزم ، 2002 ) ، ص 11.

صورة غلاف الكتاب  
مع ورقتين لوصف ولاية الموصل باللغة التركية
 فضلا عن خريطة الدولة العثمانية 

والصور نقلا عن ملتقى اهل الموصل على الموقع الالكتروني : 














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق