الموصل
في كتاب المسالك والممالك للبكري
د.محمد نزار الدباغ
مركز دراسات الموصل/جامعة الموصل
لقد عني الجغرافيون العرب بتحديد مواضع البلدان والبقاع الكثيرة الواردة في أشعار الجاهليين والإسلاميين وأحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان البحث في أحوال الأقاليم وما تتضمنه من المدن والكور والأعمال وليد النهضة العلمية التي ظهرت في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي .
يعد الكندي أول من كتب في ذلك، ثم ظهر بعده جيل من الجغرافيين في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي يمكن أن نطلق عليهم مجازا المسالكيون ؛ لأنهم درسوا حدود الأرض ومسالكها وألفوا كتبا تحمل عنوان " المسالك والممالك " وهي لأكثر من جغرافي، منهم، ابن خرداذبه، الجيهاني، البلخي، المهلبي، ومحمد الوراق، وكتاب العلم الأخير يعد من ابرز المصادر التي اعتمد عليها البكري في حديثه عن القسم الخاص ببلاد المغرب .
وفي القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي كان كتاب البكري " المسالك والممالك " موسوعة في البلدان في نسق فريد يجمع بين لحديث عن كتب المسالك ووصف البلدان وعادات الشعوب .
والبكري هو أبو عبيد بن عبد الله بن أبي مصعب … بن عمر البكري، وهو من بيت إمارة كانت لسلفه في غربي جزيرة الأندلس ولد سنة (432هـ / 1033م) بشلطيش غربي اشبيلية وتوفي سنة ( 487هـ / 1094م) بقرطبة . وتظهر شخصية البكري الذي قرر انه لم يرحل ولم يزعم انه رأى أو شاهد وانما جمع ذلك من الكتب التي الفت قبله ولكن أهمية كتابه تكمن في أن اغلب أقسامه كان ضائعا حتى تم جمع مخطوطات الكتاب، وحقق على يد الدكتور جمال طلبة ونشرته دار الكتب العلمية في بيروت بطبعته الأولى سنة 2003 بخلاف إن اعتماد المهتمين بكتب التراث الجغرافي كان على القسم الوحيد المنشور من الكتاب وهو القسم الخاص بالمغرب الذي طبع على يد المستشرق الفرنسي دي سلان مما يعزز من قيمة النسخة المحققة حديثا المتقدمة الذكر، فضلا عن اعتماد البكري على بعض كتب المسالك والممالك التي لم تصلنا والتي كانت متوفرة في زمن البكري مثل كتاب الجيهاني والمهلبي ومحمد الوراق ويكون بهذا قد نقل لنا قطوفا وشذرات من كتب الجغرافيين المتقدمي الذكر مما كان له أثره الواضح في قوة توثيق الكتاب لدى البكري .
أما فيما يتعلق بمدينة الموصل في كتاب المسالك والممالك للبكري فأنه قد أورد نصوصا تتمحور في جانبين، الجانب الاول منهما يتناول الروايات الدينية والجانب الثاني يتناول الروايات الجغرافية . أورد البكري ثلاث روايات دينية تناولت بين طياتها مدينة الموصل، انصبت أول الروايات في الكلام عن استقرار سفينة نوح (ع) على جبل الجودي الذي كان من أرض الموصل، والرواية الثانية اختصت بالكلام عن نبي الله يونس (ع) الذي أرسله الله تعالى إلى قرية من قرى الموصل وهي نينوى وأشاد بعبادة أهلها للأصنام حتى آمن القوم بيونس (ع) لما أيقنوا بنزول العذاب عليهم فكان من أمر قوم يونس ما نصه الله سبحانه وتعالى في سورة يونس - الآية 98 – ( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها أيمانها إلا قوم يونس) . أما الرواية الثالثة فتتحدث عن أحد الرجال الصالحين والمسمى جرجس أو جرجيس وهو رجل من أهل فلسطين وقد عاش في الفترة بين دعوة نبي الله عيسى (ع) والنبي محمد صلى الله عليه وسلم وقد ارسله الله إلى أحد ملوك الموصل يدعوه للتوحيد فقتله ملك الموصل مرات واحياه الله عز وجل أية لهم وعبرة وقضى الله عليهم بأن سلط عليهم النار فأحرقتهم ونصر الله عبده الصالح جرجس .
أما الجانب الثاني فقد تضمن تسع روايات جغرافية، أولها يتعلق بموقع مدينة الموصل، حيث أشار البكري إلى أنها تقع ضمن مدن الإقليم الرابع . أما الرواية الثانية فتتعلق بنهر دجلة الذي يخرج من ديار بكر ويمر بالموصل . وكانت الرواية الثالثة متعلقة بذكر بلاد العراق والمشهور من مدنها ويأتي الكلام عن الموصل على اعتبار أن أرض آثور - على حد قول البكري- المقصود بها أرض الموصل تشكل الحدود الشمالية لأرض السواد (العراق) التي تنتهي بمدينة البصرة على الخليج العربي . وفي الرواية الرابعة يتكرر الكلام عن حد السواد (العراق) ولكن الاختلاف يرد في تسميات المواضع الجغرافية حيث يذكر البكري أن حد السواد في زمنه يمتد من : " تخوم الموصل مارا إلى ساحل البحر -الخليج العربي- من بلاد عبادان من شرقي دجلة طولا".وخامس الروايات الجغرافية تتعلق ببناء الخليفة أبي جعفر المنصور لمدينة بغداد المدورة وعاصمة الخلافة العباسية حيث استعان بالصناع والبناءين من كبريات مدن الأقاليم ومنها مدينة الموصل . في حين أن الرواية السادسة وعلى الرغم من قصرها إلا إنها تبين حدود إقليم الجزيرة الفراتية في زمن البكري التي تقع بين نهر دجلة والموصل . والرواية السابعة تتعلق بصفة أهل الموصل والحوار يدور بين الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان ورجل من خاصته يدعى عبد الله بن الكواء، قال البكري : " قال-معاوية- فأخبرني عن أهل الموصل، قال-الكواء- : قلادة وليدة فيها من كل خرز " . وعلى الرغم مما نلاحظه من قصر في وصف العبارة إلا أن لها معاني ودلالات بليغة تدل على مكانة أهل الموصل وحسن أخلاقهم وشجاعتهم وحسن استقبالهم للضيف . وتضمنت الرواية الثامنة تعداد لأسماء كور الموصل كتكريت، الطيرهان، الحديثة، المرج، باجلى، واخيرا باجرمى . أما الرواية التاسعة والأخيرة فترشدنا إلى فوائد الإقامة في الموصل مع ذكر لأسماء كور أخرى تتبعها مما لم يورده البكري في الرواية السابقة، قال البكري : " وقد زعموا أن من أقام بالموصل حولا… فتفقد قوته وجد منه فضلا . ومن كورها -الموصل- مدينة الحضر، نينوى، بادقل، حزة، انفاس، دقوقا، البوازيج، جامحال، تامر، بازبدى، اخشور ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق