إن العلوم التي تخدم
كتاب الله الجليل كثيرة جدا ، وقد تسابق العلماء في استنباطها ، والتصنيف فيها ،
منذ القرون الأولى في ميادين متعددة فسطروا فيها الكثير ، من المنظوم والمنظور ،
المطول منها والمختصر ، وقد لفت نظري منظومة شعرية قيمة في عدد آيات القرآن الكريم
، المكي منه والمدني للحافظ العلامة شمس الدين محمد بن أحمد الموصلي أبي عبدالله
الحنبلي المعروف بشعلة الذي ولد بالموصل سنة (623هـ/1225م) وتوفي فيها سنة
(656هـ/1258م) وله ثلاثة وثلاثون سنة ، ولا نجد من بين المصادر ما يعلل سبب إطلاق
لقب شعلة عليه ، فلعله لقب به لتوقد ذهنه وفرط ذكائه ، ورغم قصر عمره إلا انه ترك
عدداً من المؤلفات في علوم القرآن والنحو والأدب يربو على عشرة مصنفات من بينها
المنظومة ٍالمتقدمة الذكر في عنوان المقال.
وترجع أهمية هذه
المنظومة إلى أنها وصتنا بنسخة مخطوطة وحيدة وفريدة محفوظة في مكتبة شستر بتي في
دَبلِن بأيرلندا ضمن مجموع ، أولها (بسم الله الرحمن الرحيم جزء فيه يتيمة الدرر
في النزول وآيات السور...) ، وآخرها ( نَجَزَت بعون الله مُوجَزَةً وقد جَمعت من
الآداب كُل مؤملِ ) وان ما يؤخذ على المحقق هو عدم ذكره لرقم المخطوطة عند التعريف
بها ، ونسخة المخطوطة قيمة كتبت بخط مشرقي
، من خطوط القرن (8هـ/14م) خالية من اسم الناسخ ، وهي مكونة من ورقتين ونصف ،
ومسطرتها 15 سطراً ، وكلماتها تتراوح ما بين 8 إلى 10 كلمات في السطر الواحد ، وهي
عبارة عن نظم ( شعر ) عدد أبياتها ستة وخمسون بيتاً وفي آخرها إجازتان من المصنف
لاثنين من تلاميذه ، وقد كتب المُؤلِف منظومته هذه سنة (649هـ/1250م) أي قبل وفاته
بسبع سنوات ، وعُني بدراسة وتحقيق هذه المخطوطة وإخراجها للنور أ.د.محمد بن صالح
البراك وتم طبعها في دار ابن الجوزي بالرياض سنة 2007.
ومن بين الستة وخمسين
بيتاً مما اشتملت عليه هذه المنظومة ، نجد أن الستة الأولى منها في الخطبة ، أولها
:
الحَمدُ لله المَلِيكِ المُفَضّـل ثُمَ
الصَلاَةُ عَلَى الشَّفِيعِ المُرسَلِ
|
وآخر الخطبة في البيت السادس من المنظومة :
وَالمَذهبُ الكُوفِيُّ مُعتَمَدِي بِهَا إِذ كَانَ مُعتَمَدَ الثِّقَات الكُمـَّلِ
|
وفيها كشف المُصنِف عن اصطلاحه في النظم ، ثم ذكر بعدها
اثنين وثلاثين بيتاً في ذكر تعداد آيات سور القرآن الكريم ، ثم أفرد سبعة أبيات في
ذكر السور التي لا خلاف فيها بين علماء العدد ، وعددها أربعة وأربعون سورة وما سوى
هذه مما تقدم ففيه خلاف بين أهل العدد ، وجملتها سبعون سورة وهذا هو مجموع سور
القرآن الكريم أربع عشر ومائة سورة .
ثم ذكر
المُصَنِف تسعة أبيات في ذكر السور المكية والمدنية فعدد السور المدنية المتفق
عليها ، وجملتها ثنتان وعشرون سورة ، ثم ذكر السور المختلف فيها ، وعددها سبعة
وعشرون سورة وما سوى هذين هو المكي ، وعدد سوره خمسة وستون سورة ، فيكون المجموع أربع
عشرة ومائة سورة ، هي عدد سور القرآن الكريم ، ثم ختم المُصَنِف النظم ببيتين تم
بهما ستة وخمسون هي مجموع هذه المنظومة الشعرية ( القصيدة ) ، وإن ما يحسب للمحقق
هو انه اخرج لنا مخطوطاً ثميناً لمؤلف موصلي لم ينل من الشهرة الكثير إلا انه ترك
تراثاً علميا متمثلاً بمصنفاته ، فضلاً على المنهج الجيد للمحقق ودقة تعليقاته
ورجوعه إلى ما توفر بين يديه من مصادر عرفتنا بشيء عن المُصَنِف وحياته وثقافته
عصره .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق