مخطوطة تحفة العجائب وطرفة الغرائب(*)
لأبن الأثير الجزري الموصلي
د. محمد نزار الدباغ
لا يخفى على الدارسين والمثقفين شهرة المؤرخ الموصلي عز الدين علي بن الأثير (630هـ/1230م ) والتي جاءت من خلال مؤلفه الذائع الصيت الكامل في التاريخ فضلا عن مؤلفاته الأخرى المعروفة مثل الباهر في تاريخ الدولة الاتابكية بالموصل وأسد الغابة في معرفة الصحابة إلا أن هنالك مخطوطة لم يسلط الضوء عليها بالدراسة وهي " تحفة العجائب وطرفة الغرائب " والتي سيحاول الباحث استعراضها في هذا المقال ، سيما وان العديد من كتب التاريخ قد أغفلت ذكرها وحتى أن ابن الأثير نفسه لم يشر أليها في كتابيه الكامل والباهر.
إن مخطوطة التحفة يمكن إن يستدل من عنوانها على أنها تنتمي إلى نمط الكوزموغرافيا المعهود مع الاهتمام بجميع صنوف العجائب (MIRABILIA) (1). والتي تهتم بالحديث عن مشاهد الكون المختلفة من سماء ونجوم وشمس وقمر وماء وشجر (2). وقد كتب العديد من الجغرافيين المسلمين في العصور الوسطى في هذا الباب منهم ، زكريا بن محمود القزويني ت: (682هـ/1283) في كتابه عجائب المخلوقات (3). وكمال الدين محمد بن عيسى الدميري ت: (808هـ/1405م) في كتابه عجائب المخلوقات (4).فضلا عن سراج الدين عمر بن الوردي ت: (850هـ/1446م) في كتابه خريدة العجائب وفريدة الغرائب (5).
ومما تجدر الإشارة إليه أن مخطوطة التحفة لم يشر إليها المستشرق الروسي أ.ي.كراتشكوفسكي في كتابه القيم تاريخ الأدب الجغرافي العربي ولكنه نوه إلى اسم مخطوطة متأخرة زمنيا عن مخطوطة التحفة ولكنها تشابهها من حيث العنوان والمضمون وهي " تحفة الملوك والراغب لما في البر والبحر من العجائب والغرائب " لأحمد بن علي بن زنبل الرمال وهو من مؤرخي الفتح العثماني وهي موجودة في مكتبة البودليان بأكسفورد (6). ولم تشر إليها كذلك معاجم مؤلفي الكتب المعاصرين ، كمعجم المؤلفين لكحالة (7). والأعلام للزركلي (8).في ترجمة عز الدين بن الأثير .
أما وصف المخطوطة فيقدمها الباحث سيد فؤاد بالقول : " نسخة بقلم معتاد بخط محمود صدقي النساخ يعود تاريخا إلى سنة 1936م نقلا عن نسخة فوتوغرافية محفوظة بدار الكتب المصرية تحت الرقم "449 " (9). ويؤكد طليمات وجود هذه المخطوطة في الدار المتقدمة الذكر تحت نفس الرقم ضمن حقل " الجغرافيا " (10). ويشير ناسخ التحفة المجهول الاسم في مقدمة المخطوطة إلى " ما أظهرته الحكمة الإلهية وما أبدعته القدرة الربانية من عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات وطرزتها ملح الأخبار ونوادر الأشعار" (11).
أما النسخ الأخرى للمخطوطة فيشير جرجي زيدان إلى وجود نسخة في المكتبة العثمانية بحلب (12).فضلا عن نسختين من التحفة منسوبة الى ضياء الدين بن الأثير ت: (637هـ/1239م) وهو أخو عز الدين بن الأثير ، تحمل النسخة الأولى الرقم ADD-23384 في مكتبة المتحف البريطاني في لندن (13). أما النسخة الثانية فقد اطلع عليها الدكتور محمد زغلول سلام في مصر على الأرجح ولم يشر إلى مكان وجودها ولكنه نوه إلى أنها " مجموعة من الشعر والنثر في مشاهد الكون المختلفة … وتقع في جزأين كبيرين " (14).
والحقيقة أن نسبة الكتاب إلى المؤرخ ابن الأثير لا يشك فيها ، حيث أشارت بعض المصادر القديمة والمراجع الحديثة إلى أنها من مؤلفات عز الدين بن الأثير فيذكر حاجي خليفة ما نصه " تحفة العجائب وطرفة الغرائب –لابن الأثير{عز الدين} الجزري جمعها من كتب عديدة أولها الحمد لله رب الأرباب ومنشىْ السحاب الخ مرتب على أربع مقالات "(15).
ويستدل مما تقدم إلى أن المخطوطة تتكون من مجموعة من المقالات مما لم نجده في النسخ الأخرى لمخطوطة التحفة ، على الرغم من اختلاف عبارة الكلام في مقدمة نسخة حاجي خليفة عن مقدمة النسخة المكتوبة عام 1936 المتقدمة الذكر ولربما أن حاجي خليفة قد اطلع على نسخة أخرى من التحفة مما لم يصل ألينا . وتضيف العباجي إلى انه {التحفة} من "مؤلفات ابن الأثير التي ما زالت من المخطوطات التي لم تنشر إلى الوقت الحاضر وتضمن عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات " (16).فضلا عن زيدان الذي يؤيد نسبة كتاب التحفة لابن الأثير ويجعل تسلسله الثالث بين مؤلفاته في مجمل حديثه عن ترجمة ابن الأثير في كتابه (17).
وأخيرا فأن الغاية من تأليف الكتاب يوردها لنا طليمات بقوله " ولأبن الأثير كتاب آخر لا يمت الى التاريخ بصلة عنوانه تحفة العجائب وطرفة الغرائب ... وأحسب أن ابن الأثير أراد أن يرفه عن نفسه بتأليفه لهذا الكتاب فجمع فيه ما استرعى انتباهه من قراءاته المختلفة "(18).
وبناء على ما تقدم فأننا نمتلك الآن خمس نسخ مخطوطة من التحفة إحداها مصورة على الفوتوغراف وهي نسخة دار الكتب المصرية وأخرى نسخت في الوقت الحاضر نقلا عن نسخة الدار المتقدمة واثنتين تنسبان لضياء الدين بن الأثير هما نسخة مكتبة المتحف البريطاني ونسخة محمد زغلول سلام ، على الرغم من عدم وجود تفاصيل كافية عن هذه النسخ من حيث قياسات المخطوطة ومسطرتها وعدد أوراقها ونوع الخط مع جهل اسم الناسخ وتاريخ النسخ . وإجمالا فيعد ابن الأثير أول من كتب في فن الكوزموغرافيا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أننا نتعامل مع نمط مستقل في التأليف وليس على أساس إيراد العلماء لإخبار العجائب والغرائب على شكل معلومات متناثرة بين طيات مؤلفاتهم وذلك لكونها كثيرة ولا يمكن إحصائها بمكان .
هوامش المقال
(*) قام الباحث بمحاولة لتصوير هذه المخطوطة من دار الكتب المصرية عن طريق المراسلة البريدية والإلكترونية مع الدار مما يمكن أن يوسع هذا المقال إلى بحث أكاديمي موسع في المستقبل القريب.
(1) اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي ، تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، نقله للعربية : صلاح الدين عثمان هاشم ، مراجعة : أيغور بليليف ، (الخرطوم ، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية ، 1961 ) ج 2 ، ص 683 .
(2) محمد زغلول سلام ، ضياء الدين بن الأثير وجهوده في النقد والبلاغة ، (الإسكندرية ، منشأة المعارف ، د.ت ) ، ص 67 .ويوجه الباحث شكره للأستاذ علي حسين الجبوري لتفضله بتزويد الباحث بمعلومات عن مخطوطة التحفة والذي يقوم حاليا بأعداد أطروحة دكتوراه بعنوان " ضياء الدين بن الأثير – دراسة في سيرته وعصره من خلال رسائله – مقدمة إلى قسم التاريخ كلية التربية .
(3) محمد نزار الدباغ ، " مخطوطات الجغرافيا الإسلامية في كتاب مخطوطات الموصل للدكتور داؤد الجلبي – دراسة إحصائية تحليلية – بحث محفوظ في أرشيف مركز دراسات الموصل ضمن بحوث الخطة السنوية للعام 2003-2004 ، ص7 .
(4) نفسه ، ص 9-10.
(5) نفسه ، ص 10-11.
(6)كراتشكوفسكي ، المرجع السابق ، ج 2 ، ص 683 .
(7) عمر رضا كحالة ، معجم المؤلفين ، (بيروت ، دار إحياء التراث العربي – مكتبة المثنى ، د.ت ) ، ج 7 ، ص 228-229 .
(8) خير الدين الزركلي ، الأعلام ، (بيروت ، ط 4 ، دار العلم للملايين ، 1979 ) ، مج 4 ، ص 331-332
(9) سيد فواد ، فهرس المخطوطات ، (القاهرة ، دار الكتب ، 1960 ) ، ص 138 .
(10) عز الدين علي بن محمد بن الأثير ، التاريخ الباهر في الدولة الاتابكية بالموصل ، تحقيق : عبد القادر احمد طليمات ، (القاهرة ، دار الكتب الحديثة ، 1936) ، ص 14 .
(11) نفسه والصفحة .
(12) جرجي زيدان ، تاريخ آداب اللغة العربية ، راجعها وعلق عليها : شوقي ضيف ، (القاهرة ، دار الهلال ، 1957) ، ج 3 ، ص 88 .
(13) عبدالله يوسف الغنيم ، المخطوطات الجغرافية العربية في المتحف البريطاني ، (الكويت ، ذات السلاسل للطباعة والنشر ، 1947 ) ص 112.
(14) سلام ، المرجع السابق ، ص 67.
(15) مصطفى بن عبدالله المعروف بحاجي خليفة ، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، مقدمة : شهاب الدين النجفي ، (بيروت ، د.ت) ، مج 1 ، ص 369 .
(16) ميسون ذنون العباجي ، ابن الأثير مؤرخا للحروب الصليبية 490-588 هـ/1096-1192م ، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية التربية ، جامعة الموصل ، 2003 ، ص62.
(17) تاريخ آداب اللغة العربية ، ج 3 ، ص 87-88.
(18) ابن الأثير ، المصدر السابق ، ص14.
جميل
ردحذفشكرا جزيلا
ردحذفمشكووووووووووور
ردحذفالشكر لله
ردحذف