الأحد، 5 أكتوبر 2014

فضل وادي العقيق وعرصته وحدوده


فضل وادي العقيق وعرصته وحدوده


ما ورد من الأحاديث في فضل وادي العقيق روينا في الصحيح عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بوادي العقيق:
«أتاني الليلة آت فقال : صل في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجة» .
وتقدم في مسجد المعرس في رواية له «أرى وهو في معرّسه بذي الحليفة ببطن الوادي قيل له: إنك ببطحاء مباركة» .

وروى ابن شبة عن عمر رضي الله تعالى عنه مرفوعا «العقيق واد مبارك» .
وعن هشام بن عروة قال: اضطجع النبيّ صلى الله عليه وسلم بالعقيق، فقيل له: إنك في واد مبارك.

وروى ابن زبالة عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نام بالعقيق، فقام رجل من أصحابه يوقظه، فحال بينه وبينه رجل من أصحابه آخر، وقال: لا توقظه فإن الصلاة لم تفته، فتدارآ حتى أصاب بعض أحدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظه، فقلن: ما لكما؟ فأخبراه. فقال: لقد أيقظتماني وإني لأراني بالوادي المبارك» وعن زكريا بن إبراهيم بن مطيع قال: بات رجلان بالعقيق، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين بتما؟ فقالا:
بالعقيق، فقال: لقد بتّما بواد مبارك.

وتقدم أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: احصبوا هذا المسجد- يعني مسجد المدينة- من هذا الوادي المبارك، ورواه صاحب الفردوس مرفوعا.
وقال أبو غسان: أخبرني غير واحد من ثقات أهل المدينة أن عمر رضي الله تعالى عنه كان إذا انتهى إليه أن وادي العقيق قد سال قال: اذهبوا بنا إلى هذا الوادي المبارك، وإلى الماء الذي لو جاءنا جاء من حيث جاء لتمسّحنا به.

وروى ابن زبالة عن عامر بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ركب إلى العقيق، ثم رجع فقال: يا عائشة جئنا من هذا العقيق، فما ألين موطأه، وأعذب ماءه، قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا ننتقل إليه؟ قال: وكيف وقد ابتنى الناس؟» .
وعن خالد العدواني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عرصة العقيق «نعم المنزل العرصة لولا كثرة الهوام» .
وعن محمد بن إبراهيم التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «خرج في بعض مغازيه، فأخذ على الشارعة حتى إذا كان بالعرصة قال: هي المنزل لولا كثرة الهوام» .

وروى السيد أبو العباس العراقي في ذيله علي ابن النجار عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي العقيق، فقال: يا أنس خذ هذه المطهرة املأها من هذا الوادي فإنه يحبنا ونحبه، فأخذتها فملأتها، الحديث.
وروى ابن شبة عن سلمة بن الأكوع قال: كنت أصيد الوحش وأهدي لحومها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففقدني فقال: يا سلمة أين كنت تصيد الوحش؟ فقلت: يا رسول الله تباعد الصيد فأنا أصيد بصدور قناة نحو ثيب، فقال: لو كنت تصيد بالعقيق لشيّعتك إذا خرجت وتلقيتك إذا جئت، إني أحب العقيق، ورواه الطبراني بنحوه، قال الهيتمي:
وإسناده حسن.

وروى ابن زبالة عن جابر قال: كان سلمة يصيد الظباء فيهدي لحمومها لرسول الله صلى الله عليه وسلم جفيفا وطريّا، فافتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا سلمة مالك لا تأتي بما كنت تأتي به؟
فقال: رسول الله تباعد علينا الصيد فإنما نصيد بثيب وصدور قناة، فقال: أما إنك لو كنت تصيد بالعقيق لشيعتك إذا ذهبت ونلفيتك إذا جئت، فإني أحب العقيق.
قلت: ومحمله إن صح على ما قبل تحريم المدينة، أو أن المراد من الصيد بالعقيق طرفه الخارج عن الحرم، جمعا بين الأدلة.

حد العقيق
ونقل ابن زبالة والزبير بن بكار عن هشام بن عروة أنه كان يقول: العقيق ما بين قصر المراجل فهلم صعدا إلى النقيع، وما أسفل من ذلك- أي من قصر المراجل- فمن زغابة.
وعن المنذر بن عبد الله الحمراني أنه سمع من أهل العلم أن الجرف ما بين محجة الشام إلى القصاصين، أي أصحاب القصة، وأن وطيف الحمار ما بين سقاية سليمان إلى الزغابة، وأن العرصة ما بين محجة بين إلى محجة الشام، وأن العقيق من محجة بين فاذهب به صعدا إلى النقيع.

قلت: محجة بين تباين آخر الجروف، أي طريقها، وأظنها طريق درب العصرة، ومن سلكها مغربا كانت الجماوات عن يساره.
قال: وحدثني آخرون أن العقيق من العرصة أبدا إلى النقيع.
قال الزبير: ولم أزل أسمع أهل العلم والسنن يقولون: إن العقيق الكبير مما يلي الحرة ما بين أرض عروة بن الزبير إلى قصر المراجل، ومما يلي الجماء ما بين قصور عبد العزيز بن عبد الله العثماني إلى قصر المراجل، ثم اذهب بالعقيق صعدا إلى منتهى النقيع، ويقولون لما أسفل من المراجل إلى متهى العرصة العقيق الصغير، فأعلى أودية العقيق النقيع.

وقالت الخنساء بنت عمرو بن الحارث بن الشّريد السّلمية تبكي أخاها صخر بن عمرو وقد مات بالنقيع من جراحة فدفن فيه على رأس برام:
أفيقي من دموعك واستفيقي ... وصبرا إن أطقت، ولن تطيقي
وقولي: إن خير بني سليم ... وغيرهم ببطحاء العقيق
وروى بنقعاء العقيق.

ونقل أبو علي الهجري أن النقيع يبتدئ أوله من برام، والعقيق ببتدئ أوله من حضير إلى آخر منتهاه من العقيق الصغير، ثم يصب في زغابة.
ونقل أيضا أن حضيرا آخر النقيع وأول العقيق، وآخر العقيق زغابة، قال: وزغابة مجتمع السيول غربي قبر حمزة رضي الله تعالى عنه، وهو أعلى وادي إضم.
قلت: فهي منتهى العقيق والعرصة، ومبتدؤه حضير، وهي مزارع معروفة بقرب النقيع على أزيد من يوم عن المدينة.

وقال عياض: النقيع صدر العقيق، والعقيق واد عليه أموال أهل المدينة، قيل: على ميلين منها، وقيل: على ثلاثة، وقيل: ستة أو سبعة، وهما عقيقان، أدناهما عقيق المدينة، وهو أصغر وأكبر، فالأصغر فيه بئر رومة، والأكبر فيه بئر عروة. والعقيق الآخر على مقربة منه، وهو من بلاد مزينة، وهو الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث، وأقطعه عمر الناس، فعلى هذا تحمل المسافات لا على الخلاف. والعقيق الذي جاء فيه «إنك بواد مبارك» هو الذي ببطن وادي ذي الحليفة، وهو الأقرب منهما- أي من العقيقين- المنقسم أحدهما إلى الكبير والصغير فلا ينافي كون ما يلي الحرة من العقيق أقرب. على أنه سيأتي ما يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث كلّ العقيق بعيده وقريبه، وأن الذي أقطعه عمر الناس هو الأدنى من المدينة، وهو المنقسم إلى كبير وصغير، وكلام الزبير وغيره صريح فيّ ذلك، والصواب أن مهبط الثنية المعروفة بالمدرج أول شاطئ وادي العقيق، على ميلين من المدينة أيام عمارتها، كما اقتضاه اختباري لمساحة ما بين المسجد النبوي ومسجد ذي الحليفة، وبه صرح الأسدي من المتقدمين، فقال: إن العقيق علي ميلين من المدينة، الميل الأول خلف أبيات المدينة، والثاني حين ينحدر من العقبة في آخره يعني المدرج، وكأنّ من عبّر بالثلاثة اعتبر المسافة من المسجد النبوي إلى أول بطن الوادي بعد القصر المعروف بحصن أبي هشام، ومن عبر بالستة اعتبرها إلى طرفه الأبعد وهو الذي به ذو الحليفة، فأدخل بطن الوادي في المسافة، أو هو مفرع علي القول بأن الميل ألفا ذراع، والراجح الموافق لاختبارنا أنه ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع.

وقال المطري: وادي العقيق أصل مسيله من النقيع قبلى المدينة الشريفة على طريق المشبان، وبينه وبين قباء يوم ونصف، ويصل إلى بئر عليّ العليا المعروفة بالخليفة- بالقاف والخاء المعجمة- ثم يأتي علي غربي جبل عير، ويصل إلى بئر علي بذي الحليفة المحرم، ثم يأتي مشرقا إلى قريب الحمراء التي يطلع منها إلى المدينة، ثم يعرج يسارا، ومن بئر المحرم يسمى العقيق، فينتهي إلى غربي بئر رومة، انتهى.

وقوله: «ومن بئر المحرم يسمى العقيق» أي في زمنه كزماننا، وهو العقيق الأدنى في كلام عياض.
وقال عقب قوله «والعقيق الذي جاء فيه إنك بواد مبارك هو الذي ببطن وادي ذي الحليفة وهو الأقرب منهما» ما لفظه: وهو الذي جاء فيه أنه مهلّ أهل العراق من ذات عرق، اه. وهو خطأ، إلا أن يحمل علي ما ذكره بعضهم من أن عقيق ذات عرق يتصل واديه بعقيق المدينة، والمعروف قديما امتداده إلى النقيع كما سبق، قال الزبير: سألت سليمان بن عياش السعدي: لم سمّي العقيق عقيقا؟ قال: لأن سيله عق في الحرة، وكان سليمان من أففه من رأيت في كلام العرب.

وقوله «عق» أي شقّ وقطع في الحرة، ولما شخص تبّع عن منزله بقناة ومر بالعرصة وكانت تسمى السليل قال: هذه عرصة الأرض، فسميت العرصة، ومر بالعقيق فقال: هذا عقيق الأرض، فسمي العقيق، وقيل: سمي بذلك لحمرة موضعه.

وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى.

رابط الموضوع منقول عن : 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق