http://www.haldun.org/article-5611691.html
الرحلة السياسية للمؤرخ إبن خلدون
par عبد القادر حادوش 11 Février 2007
Publié dans : #Histoire du Maghreb تاريخ المغرب الكبير
لم يعد المقام في تونس يريح العلامة إبن خلدون نتيجة الوباء الذي عم الحوض الغربي للبحر المتوسط بما فيها تونس سنة 749-1349 ، فهلك والد إبن خلدون وخيرة شيوخه من جهة ، وانحصار التيار المريني عن إفريقية من جهة أخرى، ورغم توليه كتابة العلامة لدى الوزير إبن تافرجين ، فان الرغبة في الالتحاق بالمرينيين جعلته يتحين الفرص لمغادرة تونس . في 753 للهجرة خرج إبن خلدون مع الوزير إبن تافرجين لملاقاة الأمير أبو زيد حاكم قسنطينة، فانطلق من ساحة المعركة، عبر مدن عديدة، إذ تحول الى تبسة ثم الى قفصة، وبسكرة ومنها الى تلمسان حيث التقى بالوزير أبي عمرو – وزير أبي عنان – الذي أقام عنده ببجاية إلى أواخر سنة 754 للهجرة، وبناء على شهادة شيوخ تونس ضمه أبو عنان إلى مجلسه العلمي، واستعمله في ديوان الكتابة، غير أن طموحه إلى المناصب العليا تماشيا مع ما عرف عن أسلافه، دفعته إلى العمل على تهريب الأمير الحفصي محمد مقابل أن يوليه حجابته، وبافتضاح هذه المؤامرة اعتقل إبن خلدون سنة 758 للهجرة وأفرج عنه ضمن مجموعة من المعتقلين على إثر وفاة أبو عنان سنة 759 للهجرة، لينظم الى السلطان أبي سالم المريني الذي عاد من منفاه بغرناطة، وقد شكل إبن مرزوق وإبن خلدون الوجوه البارزة في الجهاز التحريضي والدعائي داخل البلاط المريني، لما كانت لهما من مكانة لدى زعماء بني مرين، ولما إنتصر أبو سالم سنة 760 للهجرة، تولى إبن خلدون وظيفة الكتابة، فاصبح من خاصة السلطان المقربين، يمدحه في مختلف المناسبات حتى ولاه خطة المظالم، إلا أن انفراد إبن مرزوق بالسلطان أبي سالم عن كافة مساعديه، أدى الى إنقلاب قاده الوزير عمر بن عبد الله سنة 762 للهجرة، واستغل إبن خلدون نفوذه وعلاقته لديه للمحافظة على مكانته في البلاط المريني، ورغم الترضيات التي قدمت لمؤرخنا إلا أن طموحه الى المناصب العليا دفعته الى طلب مغادرة فاس الى إفريقية مستعينا بالوزير مسعود بن رحو بن ماساي، وبعد انتظار طويل سمح له بالرحلة شريطة عدم الإنظمام الى خصم المرينيين أبو حمو بتلمسان
توجه إبن خلدون الى غرناطة سنة 760 للهجرة، فوجد في إستقباله السلطان النصري الغني بالله وصديقه الوزير إبن الخطيب، فأصبح من خاصة مجلس النصريين، كما وفر له إبن الخطيب امكانيات مادية ومعنوية بناءا على علاقات كانت تربطهما في مجلس أبي سالم المريني، وما قام به إبن خلدون من خدمات لصالح إبن الخطيب أيام مقامه بالمغرب، وفي سنة 765 للهجرة أوكلت إليه مهمة رسمية تتعلق بابرام معاهدة مع ملك قشتالة بيدرو الأول في مقر أجداده بالأندلس،ونظرا لما كان يتمتع به إبن خلدون من مكانة علمية وحنكة سياسية، دفعت الملك القشتالي الى محاولة الحاقه مقابل أن يرد عليه ممتلكات أسلافه باشبيلية، إلا أنه اختار الرجوع الى غرناطة التى وجد فيها ظالته في الإستقرار والطمأنينة، وقد استدعى عائلته من قسنطينة وكأنه كان يعتزم الإستقرار بغرناطة
الا أن إستبداد إبن الخطيب بأمور غرناطة جعلته يتخوف من إبن خلدون، وهو يعلم دهاءه السياسي وتجربته الكبيرة، فما كان ليسمح بظهور منافس له في البلاط المريني، وباتضاح هذا الأمر استغل إبن خلدون فرصة إستدعائه من لدن أبي عبد الله الحفصي ليتولى حجابته بعد أن تمكن من إسترجاع ملكه ببجاية في رمضان سنة 765 للهجرة، وبوصوله إلى بجاية سنة 766-1364، تولى منصب الحجابة مع الخطبة بجامع القصبة، وهذا المنصب يرضي إلى حد ما إبن خلدون وطموحه السياسي إلا أن أحوال البلاد المغربية المضطربة جعلته لا يستقر في مهامه إلا سنة واحدة، حيث تغلب أبو العباس أمير قسنطينة في سنة 767 للهجرة على سلطانه، وكعادة إبن خلدون حاول الإنحياز إلى الجانب المنتصر بدون نتيجة، فالتجأ إلى بسكرة عند صديقه أحمد بن يوسف بن مزنى، إلى أن استدعي في سنة 769 للهجرة من قبل السلطان أبي حمو الزياني للإستفادة من تأثيره على قبائل رياح وخاصة منها الدواودة في حربه المعلنة ضد خصومه بقسنطينة، ومضمون الرسالة التى وجهها السلطان الزياني لإبن خلدون توضح إغراء المؤرخ بتوليته منصب الحجابة، ولقد عمل إبن خلدون على إستمالة الدواودة إلى جانب الزيانيين في حين أرسل أخاه يحيى كنائب عنه في توليته منصب الحجابة، وكأن نزعة الطموح السياسي بدأت تقل لتتحول إلى رغبة نحو طلب العلم، وفي هذه الرحلة تبادل جملة من الرسائل مع الوزير إبن الخطيب في أغراض شتى
وبعد أن تحرك الجيش المريني بقيادة أبي فارس عبد العزيز المتوفى سنة 799 للهجرة لحصار تلمسان رحل إبن خلدون إلى الأندلس، بعد رحيل سلطانه الزياني إلا أنه إعتقل خوفا من حمله لرسالة إلى البلاط الغرناطي، ثم أطلق ليلتزم رباط الشيخ أبي مدين إلا أن مكانته لدى زعماء الدواودة دفعت السلطان عبد العزيز للإنتدابه سفيرا لديها، وعند وصوله إلى مواطن رياح سنة 772 للهجرة قاد هذه القبائل ضد سلطانه السابق في العديد من المعارك، وفي هذه الظروف التي كان فيها إبن خلدون يشغل مهام عسكرية وصله خبر فرار صديقه إبن الخطيب من غرناطة قادما عبر ثغر سبتة إلى تلمسان
إن الميزة الرئيسية التي نستنتجها من مرحلة وجوده ببسكرة، هي إتخاذه لأسلوب جديد وخاص لخدمة هذا السلطان أو ذاك، مستغلا خبرته ومعرفته بشئون البدو ونزعتهم العسكرية، إذ أصبح بارعا في إستمالة القبائل وتوجيهها حسب ولائه وميولاته، متخليا عن خدمة السلاطين عن طريق تولية المناصب إلى شكل آخر من الخدمة التى إنبنت هذه المرة على جانبرعسكري، أكثر منها خدمة مثقف بلاطي بدون قاعدة يستند عليها، فقد وجد في القبائل السند الجماعي في ممارسته السياسية، كما كان لوجوده بينها آثار هامة في إنتاجه التاريخي، إذ اطلع على أوضاعها الإقتصادية والإجتماعية وبالتالي أدرك أهميتها في الساحة السياسية بشمال افريقيا
إلا أن نفوذ إبن خلدون على القبائل البدوية العربية، أثارت تخوفات صديقه أحمد بن يوسف بن مزنى أمير بسكرة، الذي كان زعيما موجها لقبائل رياح، فأخذ يعمل على إبعاد إبن خلدون من بسكرة حتى لا يتعاظم نفوذه على القبائل، فراسل السلطان في شأنه، فاستدعي إبن خلدون إلى مدينة فاس سنة 774 للهجرة، وبوصوله إلى مدينة مليانة، وصله خبر وفاة أبي فارس عبد العزيز وتولية إبنه أبي بكر السعيد في كفالة الوزير أبي بكر بن غازي، فما كان من إبن خلدون إلا الإستمرار في طريقه نحو مدينة فاس، حيث تعرض للإنتقام أبي حمو الزياني، ويصف إبن خلدون حالته بقوله: « وانتهبوا جميع ما كان معنا، وأرجلوا الكثير من الفرسان وكنت فيهم، وبقيت يومين في قفره، ضاحيا عاريا إلى أن خلصت إلى العمران..... »، وبمدينة فاس لقي إبن خلدون حفاوة وتكريما من الوزير إبن غازي، وتمتع بملكيات عقارية ومداخيل نقدية مهم، ولكن الإضطرابات السياسية داخل الدولة المرينية بين العناصر المطالبة بالعرش، التي زادت من حدتها تدخل النصريين إلى جانب الأمير عبد الرحمان بن أبي يفلوسن، الذي أطلق من منفاه بغرناطة نظرا لرفض إبن غازي تسليم إبن الخطيب إلى الغني بالله
فلما كان الصراع محتدما بين مختلف العناصر المطلبة بالعرش، كان إبن خلدون يترقب الأحداث التي تأكد من خلالها، أن الطمأنينة والإستقرار لا يمكن أن يحصل عليهما في المغرب، فانتقل إلى الأندلس سنة 776 للهجرة، إلا أن تدخل المرينيين أدى إلى طرده نتيجة مساندته لصديقه إبن الخطيب، ومن مدينة تلمسان قرر إبن خلدون إعتزال الحياة السياسية، فقضى أربعة سنوات في قلعة بني سلامة متفرغا إلى التأليف، فكانت أخصب مرحلة في حياته الفكرية، إذ استطاع أن يملي مقدمة كتابه في أخبار العرب والبربر والعجم، وفي سنة 780 للهجرة إنتقل إبن خلدون إلى مدينة تونس تحدوه الرغبة في الإطلاع على الكتب والدواوين الموجودة بخزانتها من جهة، والرجوع إلى مقر أجداده ومسقط رأسه من جهة أخرى، ليتمم أخبار البربر، وكتب كذالك أخبار الدولتين وما قبل الإسلام، إلا أنه سيغادر الغرب الإسلامي بصورة نهائية في سنة 784 للهجرة، لينزل بالقاهرة التي سيقوم فيها بمهمتين أساسيتين: إذ أصبح نشاطه يتصل إتصالا وثيقا بالتدريس في الجامع الأزهر ومختلف المدارس، وتولية قضاء المالكية، غير راغب في المناصب العليا كما كان ببلاد الغرب الإسلامي رغم سفارته الى تيمورلنك وقد استقر بالقاهرة إلى أن توفي بها سنة 1406 .
الرحلة السياسية للمؤرخ إبن خلدون
par عبد القادر حادوش 11 Février 2007
Publié dans : #Histoire du Maghreb تاريخ المغرب الكبير
لم يعد المقام في تونس يريح العلامة إبن خلدون نتيجة الوباء الذي عم الحوض الغربي للبحر المتوسط بما فيها تونس سنة 749-1349 ، فهلك والد إبن خلدون وخيرة شيوخه من جهة ، وانحصار التيار المريني عن إفريقية من جهة أخرى، ورغم توليه كتابة العلامة لدى الوزير إبن تافرجين ، فان الرغبة في الالتحاق بالمرينيين جعلته يتحين الفرص لمغادرة تونس . في 753 للهجرة خرج إبن خلدون مع الوزير إبن تافرجين لملاقاة الأمير أبو زيد حاكم قسنطينة، فانطلق من ساحة المعركة، عبر مدن عديدة، إذ تحول الى تبسة ثم الى قفصة، وبسكرة ومنها الى تلمسان حيث التقى بالوزير أبي عمرو – وزير أبي عنان – الذي أقام عنده ببجاية إلى أواخر سنة 754 للهجرة، وبناء على شهادة شيوخ تونس ضمه أبو عنان إلى مجلسه العلمي، واستعمله في ديوان الكتابة، غير أن طموحه إلى المناصب العليا تماشيا مع ما عرف عن أسلافه، دفعته إلى العمل على تهريب الأمير الحفصي محمد مقابل أن يوليه حجابته، وبافتضاح هذه المؤامرة اعتقل إبن خلدون سنة 758 للهجرة وأفرج عنه ضمن مجموعة من المعتقلين على إثر وفاة أبو عنان سنة 759 للهجرة، لينظم الى السلطان أبي سالم المريني الذي عاد من منفاه بغرناطة، وقد شكل إبن مرزوق وإبن خلدون الوجوه البارزة في الجهاز التحريضي والدعائي داخل البلاط المريني، لما كانت لهما من مكانة لدى زعماء بني مرين، ولما إنتصر أبو سالم سنة 760 للهجرة، تولى إبن خلدون وظيفة الكتابة، فاصبح من خاصة السلطان المقربين، يمدحه في مختلف المناسبات حتى ولاه خطة المظالم، إلا أن انفراد إبن مرزوق بالسلطان أبي سالم عن كافة مساعديه، أدى الى إنقلاب قاده الوزير عمر بن عبد الله سنة 762 للهجرة، واستغل إبن خلدون نفوذه وعلاقته لديه للمحافظة على مكانته في البلاط المريني، ورغم الترضيات التي قدمت لمؤرخنا إلا أن طموحه الى المناصب العليا دفعته الى طلب مغادرة فاس الى إفريقية مستعينا بالوزير مسعود بن رحو بن ماساي، وبعد انتظار طويل سمح له بالرحلة شريطة عدم الإنظمام الى خصم المرينيين أبو حمو بتلمسان
توجه إبن خلدون الى غرناطة سنة 760 للهجرة، فوجد في إستقباله السلطان النصري الغني بالله وصديقه الوزير إبن الخطيب، فأصبح من خاصة مجلس النصريين، كما وفر له إبن الخطيب امكانيات مادية ومعنوية بناءا على علاقات كانت تربطهما في مجلس أبي سالم المريني، وما قام به إبن خلدون من خدمات لصالح إبن الخطيب أيام مقامه بالمغرب، وفي سنة 765 للهجرة أوكلت إليه مهمة رسمية تتعلق بابرام معاهدة مع ملك قشتالة بيدرو الأول في مقر أجداده بالأندلس،ونظرا لما كان يتمتع به إبن خلدون من مكانة علمية وحنكة سياسية، دفعت الملك القشتالي الى محاولة الحاقه مقابل أن يرد عليه ممتلكات أسلافه باشبيلية، إلا أنه اختار الرجوع الى غرناطة التى وجد فيها ظالته في الإستقرار والطمأنينة، وقد استدعى عائلته من قسنطينة وكأنه كان يعتزم الإستقرار بغرناطة
الا أن إستبداد إبن الخطيب بأمور غرناطة جعلته يتخوف من إبن خلدون، وهو يعلم دهاءه السياسي وتجربته الكبيرة، فما كان ليسمح بظهور منافس له في البلاط المريني، وباتضاح هذا الأمر استغل إبن خلدون فرصة إستدعائه من لدن أبي عبد الله الحفصي ليتولى حجابته بعد أن تمكن من إسترجاع ملكه ببجاية في رمضان سنة 765 للهجرة، وبوصوله إلى بجاية سنة 766-1364، تولى منصب الحجابة مع الخطبة بجامع القصبة، وهذا المنصب يرضي إلى حد ما إبن خلدون وطموحه السياسي إلا أن أحوال البلاد المغربية المضطربة جعلته لا يستقر في مهامه إلا سنة واحدة، حيث تغلب أبو العباس أمير قسنطينة في سنة 767 للهجرة على سلطانه، وكعادة إبن خلدون حاول الإنحياز إلى الجانب المنتصر بدون نتيجة، فالتجأ إلى بسكرة عند صديقه أحمد بن يوسف بن مزنى، إلى أن استدعي في سنة 769 للهجرة من قبل السلطان أبي حمو الزياني للإستفادة من تأثيره على قبائل رياح وخاصة منها الدواودة في حربه المعلنة ضد خصومه بقسنطينة، ومضمون الرسالة التى وجهها السلطان الزياني لإبن خلدون توضح إغراء المؤرخ بتوليته منصب الحجابة، ولقد عمل إبن خلدون على إستمالة الدواودة إلى جانب الزيانيين في حين أرسل أخاه يحيى كنائب عنه في توليته منصب الحجابة، وكأن نزعة الطموح السياسي بدأت تقل لتتحول إلى رغبة نحو طلب العلم، وفي هذه الرحلة تبادل جملة من الرسائل مع الوزير إبن الخطيب في أغراض شتى
وبعد أن تحرك الجيش المريني بقيادة أبي فارس عبد العزيز المتوفى سنة 799 للهجرة لحصار تلمسان رحل إبن خلدون إلى الأندلس، بعد رحيل سلطانه الزياني إلا أنه إعتقل خوفا من حمله لرسالة إلى البلاط الغرناطي، ثم أطلق ليلتزم رباط الشيخ أبي مدين إلا أن مكانته لدى زعماء الدواودة دفعت السلطان عبد العزيز للإنتدابه سفيرا لديها، وعند وصوله إلى مواطن رياح سنة 772 للهجرة قاد هذه القبائل ضد سلطانه السابق في العديد من المعارك، وفي هذه الظروف التي كان فيها إبن خلدون يشغل مهام عسكرية وصله خبر فرار صديقه إبن الخطيب من غرناطة قادما عبر ثغر سبتة إلى تلمسان
إن الميزة الرئيسية التي نستنتجها من مرحلة وجوده ببسكرة، هي إتخاذه لأسلوب جديد وخاص لخدمة هذا السلطان أو ذاك، مستغلا خبرته ومعرفته بشئون البدو ونزعتهم العسكرية، إذ أصبح بارعا في إستمالة القبائل وتوجيهها حسب ولائه وميولاته، متخليا عن خدمة السلاطين عن طريق تولية المناصب إلى شكل آخر من الخدمة التى إنبنت هذه المرة على جانبرعسكري، أكثر منها خدمة مثقف بلاطي بدون قاعدة يستند عليها، فقد وجد في القبائل السند الجماعي في ممارسته السياسية، كما كان لوجوده بينها آثار هامة في إنتاجه التاريخي، إذ اطلع على أوضاعها الإقتصادية والإجتماعية وبالتالي أدرك أهميتها في الساحة السياسية بشمال افريقيا
إلا أن نفوذ إبن خلدون على القبائل البدوية العربية، أثارت تخوفات صديقه أحمد بن يوسف بن مزنى أمير بسكرة، الذي كان زعيما موجها لقبائل رياح، فأخذ يعمل على إبعاد إبن خلدون من بسكرة حتى لا يتعاظم نفوذه على القبائل، فراسل السلطان في شأنه، فاستدعي إبن خلدون إلى مدينة فاس سنة 774 للهجرة، وبوصوله إلى مدينة مليانة، وصله خبر وفاة أبي فارس عبد العزيز وتولية إبنه أبي بكر السعيد في كفالة الوزير أبي بكر بن غازي، فما كان من إبن خلدون إلا الإستمرار في طريقه نحو مدينة فاس، حيث تعرض للإنتقام أبي حمو الزياني، ويصف إبن خلدون حالته بقوله: « وانتهبوا جميع ما كان معنا، وأرجلوا الكثير من الفرسان وكنت فيهم، وبقيت يومين في قفره، ضاحيا عاريا إلى أن خلصت إلى العمران..... »، وبمدينة فاس لقي إبن خلدون حفاوة وتكريما من الوزير إبن غازي، وتمتع بملكيات عقارية ومداخيل نقدية مهم، ولكن الإضطرابات السياسية داخل الدولة المرينية بين العناصر المطالبة بالعرش، التي زادت من حدتها تدخل النصريين إلى جانب الأمير عبد الرحمان بن أبي يفلوسن، الذي أطلق من منفاه بغرناطة نظرا لرفض إبن غازي تسليم إبن الخطيب إلى الغني بالله
فلما كان الصراع محتدما بين مختلف العناصر المطلبة بالعرش، كان إبن خلدون يترقب الأحداث التي تأكد من خلالها، أن الطمأنينة والإستقرار لا يمكن أن يحصل عليهما في المغرب، فانتقل إلى الأندلس سنة 776 للهجرة، إلا أن تدخل المرينيين أدى إلى طرده نتيجة مساندته لصديقه إبن الخطيب، ومن مدينة تلمسان قرر إبن خلدون إعتزال الحياة السياسية، فقضى أربعة سنوات في قلعة بني سلامة متفرغا إلى التأليف، فكانت أخصب مرحلة في حياته الفكرية، إذ استطاع أن يملي مقدمة كتابه في أخبار العرب والبربر والعجم، وفي سنة 780 للهجرة إنتقل إبن خلدون إلى مدينة تونس تحدوه الرغبة في الإطلاع على الكتب والدواوين الموجودة بخزانتها من جهة، والرجوع إلى مقر أجداده ومسقط رأسه من جهة أخرى، ليتمم أخبار البربر، وكتب كذالك أخبار الدولتين وما قبل الإسلام، إلا أنه سيغادر الغرب الإسلامي بصورة نهائية في سنة 784 للهجرة، لينزل بالقاهرة التي سيقوم فيها بمهمتين أساسيتين: إذ أصبح نشاطه يتصل إتصالا وثيقا بالتدريس في الجامع الأزهر ومختلف المدارس، وتولية قضاء المالكية، غير راغب في المناصب العليا كما كان ببلاد الغرب الإسلامي رغم سفارته الى تيمورلنك وقد استقر بالقاهرة إلى أن توفي بها سنة 1406 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق